الحمد لله.
أولا:
يشترط لصحة المرابحة أن يشتري البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على المستفيد؛ لما روى النسائي (4613) ، وأبو داود (3503) ، والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: " سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ "والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
وفي رواية: إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رواه أحمد (15316) ، والنسائي (4613) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم(342) .
وأخرج الدارقطني ، وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم "والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) .
وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.
أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
وقبض كل شيء بحسبه، فقبض ما ينقل: يكون بنقله، وإخراجه من محل البائع الأول.
قال في "هداية الراغب شرح عمدة الطالب"، ص 328: " (و) يحصل قبضٌ في (صُبرةٍ وما يُنقل) كثيابٍ وحيوان (بنقله) " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل ، مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك : يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 381).
ثانيا:
اشتراط قبض السلعة قبل بيعها فيه خلاف بين الفقهاء، فمنهم من لا يشترط القبض إلا في الطعام، كمذهب المالكية، ومنهم من يشترطه في المكيل والموزون والمعدود كالحنابلة، ومنهم من يشترطه في جميع السلع إلا العقار وهم الحنفية، ومنهم من يشترطه في جميع السلع، كالشافعية، والظاهرية، ورواية عن أحمد، وهو قول محمد بن الحسن، وزفر من الحنفية، ويروى عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله .
وينظر:" البحر الرائق" (5/ 332)، "بدائع الصنائع" (5/ 180)،" التاج والإكليل" (4/ 482)، "الذخيرة" (5/ 132)، "حاشية الدسوقي" (3/ 151)،" المجموع" (9/ 264)، "مغني المحتاج" (2/ 68) ، "الإنصاف" (4/ 332)، "كشاف القناع" (3/ 241)، "الموسوعة الفقهية" (9/ 123).
والراجح اشتراط القبض في جميع السلع، وأن قبض المنقول لا يكون إلا بنقله، كما دل عليه حديث زيد بن ثابت.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : إحدى الشركات تقوم بشراء الأثاث ومواد البناء لمن يريد ، يذهب الزبون إلى الشركة ويحدد الأثاث الذي يريده أو مواد البناء ، يدفع الزبون دفعة أولى - مثل تقسيط السيارات - وبقية المبلغ المؤجل يتم تسديده على أقساط شهرية ، مع نسبة زيادة تصل إلى 10 % للشركة ، فتعطي الشركة للزبون أمر استلام ؛ ليذهب إلى محل الأثاث فيستلم أثاثه بنفسه ، وتسديد المبلغ المؤجل يكون للشركة التي قامت بالتقسيط ، فما الحكم ؟
فأجاب : " ليس للشركة أن تبيع الأثاث ولا غيره من المنقولات ، إلا بعد أن يتم البيع ، وتقبض المبيع إلى حوزتها ، وتنقله من ملك البائع إلى مكان آخر ، ثم يتم البيع بعد ذلك ، أما دفع العربون للشركة قبل ذلك ، فلا يجوز .
وليس لها أن تبيع شيئاً إلا بعد أن تحوزه ، وتنقله من مكان البائع إلى مكان آخر " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (19/9-10) .
ثالثا:
نظرا لوجود الخلاف المتقدم، فإن البنك إذا كان له هيئة شرعية لا ترى اشتراط القبض إلا في الطعام، وكان المتعامل يقلد من يقول بذلك، فإن البيع صحيح، وينتقل به ملك البضاعة للمتعامل، ويحل له المال الذي يكسبه من هذه البضاعة.
ولا حرج في التعامل معه بالبيع والشراء وقبول الهدايا وغير ذلك.
وكذا لو كان المتعامل قد دخل في هذه المعاملة ، جاهلا بالحكم ، ولم يعلم أنها محرمة : فإنه يقر على العقد ، ولو كان فاسدا، ويدخل ما اشتراه في ملكه .
ولا حرج في التعامل معه بيعا وشراء، وفي قبول هبته ونحوها .
بل لو دخل في المعاملة على علم منه بتحريمها ، وكان ماله مختلطا فيه الحلال وفيه الحرام : لم يحرم التعامل معه ، بيعا ، وشراء ، وهبة ، ونحو ذلك من سائر وجوه المعاملات .
وينظر: جواب السؤال رقم : (222773)، ورقم : (179446) .
والله أعلم.