الحمد لله.
أولا :
لا حرج على من كلِّف بالأذان أو الإمامة أو الإشراف على وقف أن يوكّل من يقوم بهذه الأعمال ؛ بشرط :
- أن يكون هناك عذر لهذا التوكيل .
- أن يكون الوكيل أهلاً للقيام بهذا العمل ، بدون إخلال به .
وقد سبق بيان هذا ، ونقل بعض أقوال العلماء في جواب السؤال : (102253) .
ثانيا :
إذا غاب المؤذن ، أو الإمام عن مسجده لعذر ، وكانت المدة يسيرة – كعدة أيام- فله أن يستنيب غيره بلا مقابل ، أو يدفع له جزءا من المال – فالأمر في هذا واسع .
قال القرافي :
"فَإِنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ : جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ رِيعَ الْوَقْفِ ، وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ" انتهى من "الفروق" (3/4) .
يعني : جاز له أن يأخذ المُستَنيب – الموظف الأصلي - راتبه كاملا ، أو أن يعطي للنائب منه ما شاء .
وسئل الشيخ ابن عثيمين :أنا مؤذن ، وأحياناً أوكل غيري بالأذان ؛ فهل أعطي الموكل نصيب الوقت الذي قام فيه بالأذان عني؟
فأجاب :
"أولاً : لماذا توكل وأنت مؤذن موكول إليك الأذان ؟
السائل : للضرورة .
الشيخ : إن كانت ضرورة : فلا بأس ، لكن الضرورة يوم أو يومان مثلاً في الشهر .
ولا تعطه شيئاً ، لأن العادة لم تَجْر بذلك .
نعم ؛ لو قال لك : أريد شيئاً ، فأعطه شيئاً ، مع أنه لا ينبغي له أن يقول : أريد شيئاً ؛ لأن هذه عبادة " انتهى بتصرف من "لقاء الباب المفتوح" (لقاء 234) .
أما إذا كانت المدة طويلة ، كشهر ، أو نحو ذلك ، أو أكثر من ذلك : فعليه أن يعطي النائب راتب تلك المدة كاملا ، لأن الراتب الذي يعطى للمؤذن أو الإمام ونحوهما ، إنما يستحقه من قام بالعمل ، ولا يجوز اتخاذ الأذان أو الإمامة وسيلة للتربح ، أو السمسرة ؛ فيأخذ المؤذن الراتب ، ويستنيب من يقوم بالأذان بنصف الراتب مثلا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية" : (ص/257) :
"ومِن أكلِ المال بالباطل : قومٌ لهم رواتبُ أضعافُ حاجاتهم ، وقومٌ لهم جهاتٌ كثيرةٌ ، معلومُها – يعني راتبها - كثير ، يأخذونه ، ويستنيبون بيسير " انتهى .
قال في "كشاف القناع" (4/268) "لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ" انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ، أيضا ، فِي مُقَرٍّ عَلَى وَظِيفَةٍ ، ثُمَّ إنَّهُ سَافَرَ وَاسْتَنَابَ شَخْصًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا عَادَ قَبَضَ الْجَمِيعَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَكَانِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّائِبُ الْمَشْرُوطَ كُلَّهُ أَمْ لَا؟
"الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. نَعَمْ ، النَّائِبُ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ كُلَّهُ، لَكِنْ إذَا عَادَ الْمُسْتَنِيبُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/162) .
وقال الشيخ محمد بن علي بن حسين مفتى المالكية :
" وكان شيخنا - يعني المنوفي رحمه الله تعالى - يقول : ومثل هذا : المساجد ونحوها ؛ يأخذها الوجيه بوجاهته ، ثم يدفع من مرتباتها شيئا قليلا لمن ينوب عنه فأرى أن الذي أبقاه لنفسه : حرام ، لأنه اتخذ عبادة الله متجرا ، ولم يوف بقصد صاحبها ، إذ مراده التوسعة ، ليأتي الأجير بذلك مشروح الصدر .
قال رحمه الله تعالى : وأما إن اضطر إلى شيء من الإجارة على ذلك : فإني أعذره ؛ لضرورته " انتهى من "تهذيب الفروق المطبوع في حاشية الفروق" (4/56) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله – كما في "مجلة البحوث" (35/99-100):
يوجد لدينا إمام قد أخذ إمامة ثلاثة مساجد بأسماء أولاده ، وهم خارج المدينة ، وقد جلب عمالا ليؤموا المسلمين في هذه المساجد بالإنابة ، مقابل نصف الراتب .
فأجاب :
" هذا العمل غير جائز ، بل هو منكر ، لا يجوز للمسلم أن يكذب على الجهة المسئولة عن الإمامة أو الأذان ، بأن يسمي أئمة أو مؤذنين لا وجود لهم ، ثم يعين على رأيه من يقوم بذلك ، بل يجب عليه أن يوضح الحقيقة للجهة المسئولة ، حتى توافق على الشخص المعين " انتهى.
والخلاصة :
إذا كان غياب المؤذن عن الأذان مدة طويلة فإن نائبه يستحق كامل الراتب عن هذه المدة ، وإذا عاد المؤذن فهو أحق بمكانه.
والله أعلم .