الحمد لله.
أولاً :
مسألة "حكم تارك الصلاة كسلا وتهاوناً" من أشهر المسائل الخلافية بين العلماء ، ولهم فيها قولان مشهوران :
أحدهما : أنه مسلم فاسق عاص ، وهو قول جمهور الفقهاء .
وبناء على هذا القول : فإن تارك الصلاة يعامل معاملة المسلم الفاسق ، في معاملاته كلها .
والقول الثاني : أنه كافر كفرا أكبر .
وقد سبق بيان هذه المسألة وبحثها في أكثر من فتوى في الموقع ، واستعراض أدلتها ، وترجيح القول بكفره .
ومع ذلك ، فهي من مسائل الخلاف المعتبر بين العلماء ، ولا تثريب على من ترجح عنده أي من هذين القولين ، ما دام مجتهدا ، إن كان من أهل الاجتهاد ، أو مقلدا تقليدا سائغا له .
وينظر جواب السؤال : (2182)، (5208) ، (194309).
ثانياً:
وبناء على ما ذكر من الخلاف القوي المعتبر في شأن كفر تارك الصلاة ، فإن في معاملته معاملة المرتد تفصيلاً :
1-إذا كان من بلد ، القول المشهور فيه ، وفتوى علمائه ، الذين يُعتمد عليهم في الفتوى ؛ على أن تارك الصلاة مسلم فاسق لا يخرج من الملة فإنه يعامل وفق مذهب علماء بلده .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان ناشئًا في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة ، وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم ، فإنه لا يكفر ، لتقليده لأهل العلم في بلده ، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم ؛ لأن فرض العامي التقليد ؛ لقوله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) . والله الموفق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/138).
2-وأما إذا كان في بلد ، القول المشهور لعلمائه ، وفتاواهم على كفر تارك الصلاة :
- فالمسائل التي تتعلق بحقوق الآخرين ، كفسخ نكاحه ، ومنعه من الميراث ، وإسقاط ولايته ... الخ لا يعامل فيها معاملة المرتد ، إلا بعد حكم القاضي الشرعي بردته .
وهذا يتوافق مع مذهب الحنابلة القائلين بأن تارك الصلاة لا يكفر إلا بعد حكم القاضي الشرعي بذلك .
قال ابن النجار:
" ومن تركها جحودا لوجوبها ... كفر أي: صار مرتدا ، حكمه حكم سائر المرتدين عن الإسلام ... وكذا في الحكم لو تركها تهاونا أو كسلا ، إذا كان ذلك بعد أن دعاه إمام أو نائبه لفعلها ، وأبى أن يفعلها حتى تضايق وقت التي بعدها ، فإنه يقتل أيضاً ، وجوباً ، بضرب عنقه نص عليه [يعني : الإمام أحمد] ، كفراً ، اختاره الأكثر" .
انتهى من "معونة أولى النهى شرح المنتهى " (1/ 454) .
قال المرداوي:
" الداعي له: هو الإمام ، أو نائبه . فلو ترك صلوات كثيرة قبل الدعاء: لم يجب قتله ، ولا يكفر ، على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم".
انتهى من " الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (1/ 401) .
-وأما المسائل الشخصية كالصلاة والترحم عليه بعد وفاته ، وأكل ذبيحته .. إلخ ، فهذا يتصرف كل شخص فيها وفق اعتقاده ، وما يراه راجحا في هذه المسألة .
والحاصل :
أن القول بكفر تارك الصلاة ، لا يلزم منه الحكم على الشخص " المعيَّن" بالردة ، وترتيب آثارها عليه ، من فسخ النكاح ، وحرمانه من الميراث ، وعدم دفنه في مقابر المسلمين ... إلخ ، فإن هذه التصرفات الإجرائية لا تكون إلا بعد حكم القاضي الشرعي بردته ، وأما قبل ذلك فيعامل معاملة المسلم ظاهراً .
والله أعلم .