يدعي الكثير من المسلمين أن الله يحب الجميع ، بمن فيهم الكفار، وأنه لا يمكن أن يكره أحدا؛ لأن الكراهية هي خاصية بشرية ، والله فوق ذلك ، فماذا نقول لهؤلاء الناس؟ في الواقع ، أعلم أن الله لا يحب الكافرين ، لكن هل يحب كل المسلمين ، حتى لو كانوا من كبار العصاة ؟ بما أنهم يؤمنون بوحدانية الله ودينه ، والحقيقة أن جميع المسلمين سوف ينتهي بهم المطاف في الجنة ، فهل هذا يعني أن الله يحبنا جميعًا ؟
الحمد لله.
أولا:
القول بأن الله يجب الجميع ولا يكره أحدا؛ لأن الكره صفة بشرية: قول خاطئ ضال مخالف لما وصف الله به نفسه، وأخبر به عن نفسه، فهو سبحانه يحب ويكره، ويرضى ويسخط.
وقد ذكر الله لنا صفات من يحبهم، ومن يكرههم ؛ فمن ذلك قوله تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة/222.
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ آل عمران /76.
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران /134.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران /159.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ المائدة /42.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ الصف /4.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ المائدة/54.
وروى مسلم (2637) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ .
وفي المقابل ، ذكر الله تعالى صفة الذين يكرههم ولا يحبهم ، فقال :
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ البقرة/276.
فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ آل عمران /32.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ آل عمران /57.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً النساء /36.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً النساء/107.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ المائدة/64.
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام /141.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ الأنفال /58.
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ النحل/23.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ الحج/38.
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ البقرة/190.
وروى البخاري (2457) ، ومسلم (2668) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ
(الألد الخصم): المُعْوَج عن الحق ، المُولع بالخصومة.
وروى الترمذي (2002) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى أحمد (21530) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاثة يحبهم الله عز وجل ، وثلاثة يبغضهم الله عز وجل .
قلت : من الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟قال:
رجل غزا في سبيل الله فلقى العدو مجاهدا محتسبا فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدون في كتاب الله عز وجل: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا .
ورجل له جار يؤذيه ، فيصبر على أذاه ، ويحتسبه حتى يكفيه الله إياه ، بموت أو حياة، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى أو النعاس فينزلون في آخر الليل فيقوم إلى وضوئه وصلاته
. قال : قلت : من الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال : الفخور المختال ، وأنتم تجدون في كتاب الله عز وجل إن الله لا يحب كل مختال فخور،والبخيل المنان، والتاجر والبياع الحلّاف .
والحديث صححه شعيب في تحقيق المسند.
وهذا كثير في الكتاب والسنة، من ذكر أناس يحبهم الله، وأناس يبغضهم ولا يحبهم.
ولا شك أن الله يبغض الكافر، كما تقدم.
ثانيا:
المؤمن العاصي محبوب إلى الله تعالى من وجه، ومبغوض من وجه.
فهو محبوب من جهة إيمانه وتوحيده وطاعته، ومبغوض من جهة معصيته ، كما لو كان فاحشا أو بذيئا.
فلا يستوي المؤمن الطائع المتقي، بالمؤمن العاصي المفرط، كما قال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ص/28 .
وقال: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ الجاثية/21
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ رحمه الله (ت: 395هـ): " ذكر ما يدلّ على أن الله يحب من أطاعه ، ويبغض من عصاه من عباده.
قال الله عز وجل: قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه، وقال: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين، وقال: إنّ اللّه يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفًّا، وقال: إنّ اللّه لا يحبّ كلّ مختالٍ فخورٍ، وقال: لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلامن ظلم، الآية ....
ثم روى بإسناده عن أنس بن مالكٍ، عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) انتهى من "كتاب التوحيد" (3/ 204).
وذكر حديث إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ... ، وحديث: أبي ذر: ثلاثة يحبهم الله عز وجل ، وثلاثة يبغضهم الله عز وجل... .
فالله تعالى يحب الطائعين ، ويبغض العصاة .
ومن جمع بين الطاعة والمعصية : كان محبوبا من وجه، مبغوضا من وجه .
والله يحب توبة عباده جميعا إليه ، ويفرح بها، ويدعوهم إليها.
والله أعلم.