الحمد لله.
أولًا:
يقول الحافظ الذهبي - وهو من جملة شيوخ ابن كثير -: " إِسْمَاعِيل بن عمر بن كثير، الإِمَام الْفَقِيه الْمُحدث الأوحد البارع عماد الدّين البصروي الشَّافِعِي.
فَقِيه متقن ، ومتحدث متقن ، ومفسر نقال ، وَله تصانيف مفيدة يدْرِي الْفِقْه وَيفهم الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول، ويحفظ جملَة صَالِحَة من الْمُتُون وَالتَّفْسِير .. " انتهى من "المعجم المختص "(57)، بتصرف.
ويقول الحافظ ابن حجر: " إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي الشيخ عماد الدين ... لازم المزي وقرأ عليه تهذيب الكمال وصاهره على ابنته، وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن لسببه .
وكان كثير الاستحضار حسن المفاكهة .
سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته " انتهى من " الدرر الكامنة" (1/ 445)، بتصرف.
وانظر جواب السؤال رقم : (110699)، (43778).
ثانيًا:
أما عن عقيدة الحافظ ابن كثير، فقد كان سلفيًا على عقيدة أئمة السلف .
وقد أبان عن ذلك في تفسيره فقال: " وأما قوله تعالى: ثم استوى على العرش فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى:11] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى " " تفسير ابن كثير"(3/ 427).
يقول ابن كثير: " وقوله الرحمن على العرش استوى : " تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف، بما أغنى عن إعادته أيضا، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل "، "التفسير"(5/ 273).
وقال أيضا : " وَالْجَهْمِيَّةُ تَسْتَدِلُّ عَلَى الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ بِأَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ بِبَيْتِ الْأَخْطَلِ، فِيمَا مَدَحَ بِهِ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ ; فَإِنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ". انتهى، من "البداية والنهاية" (12/241) . ط هجر .
وينظر أيضا : "البداية والنهاية" (9/290) ط إحياء التراث ، ففيه كلام مطول لا يوجد في ط هجر .
فقد نفى رحمه الله التعطيل، وبذلك أثبت المعنى، ونفى التحريف، وبذلك نفى التأويل الباطل، ونفى التكييف والتمثيل، وهذه هي العقيدة التي قررها ابن تيمية رحمه الله، يقول ابن تيمية: " ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، الواسطية: (57)، ت: أشرف عبدالمقصود.
وقد كان ابن كثير من المعظمين لكلام ابن تيمية، ويذكره في التفسير ويقول عنه: " الإمام، العلامة أبو العباس ابن تيمية "، التفسير: (1/ 712)، وقال: "شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية"، التفسير: (4/ 62)، وهو في كثير من كلامه يوافق ابن تيمية رحمه الله في تقريره لعقيدة السلف.
وقال رحمه الله في بيان حقيقة "الإيمان الشرعي" ، وأنه قول وعمل ، خلافا لما عليه الأشاعرة :
" أما الإيمان في اللغة : فيطلق على التصديق المحض .
وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك، كما قال تعالى: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة: 61] ، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين [يوسف: 17].
وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال؛ كقوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات [الانشقاق: 25، والتين: 6] .
فأما إذا استعمل مطلقا : فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا.
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث ، أوردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة." انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/165) .
وانظر لمزيد من الوقوف على هذه القضية: عقيدة الحافظ ابن كثير بين التفويض والتأويل، لعبد الآخر غنيمي، دار الأخلاء :
https://goo.gl/CpgRQ5
وينظر أيضا للفائدة مقالا حول فرية أشعرية ابن كثير:
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=142895
وخلاصة الجواب :
أن ابن كثير رحمه الله لم يكن أشعريًا، بل كان على مذهب أئمة السنة والأثر كمالك والشافعي وأحمد، يثبت صفات الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل .
والله أعلم .