الحمد لله.
أولًا:
يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
" يأمر تعالى المؤمنين بتقواه، في جميع أحوالهم، في السر والعلانية، ويخص منها، ويندب للقول السديد، وهو القول الموافق للصواب، أو المقارب له، عند تعذر اليقين، من قراءة، وذكر، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتعلم علم وتعليمه، والحرص على إصابة الصواب، في المسائل العلمية، وسلوك كل طريق يوصل لذلك، وكل وسيلة تعين عليه.
ومن القول السديد، لين الكلام ولطفه، في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح والإشارة، بما هو الأصلح.
ثم ذكر ما يترتب على تقواه، وقول القول السديد فقال: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ أي: يكون ذلك سببًا لصلاحها، وطريقًا لقبولها، لأن استعمال التقوى، تُتَقبل به الأعمال كما قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
ويوفق فيه الإنسان للعمل الصالح، ويصلح الله الأعمال أيضًا بحفظها عما يفسدها، وحفظ ثوابها ومضاعفته، كما أن الإخلال بالتقوى، والقول السديد سبب لفساد الأعمال، وعدم قبولها، وعدم تَرَتُّبِ آثارها عليها.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ أيضًا ذُنُوبَكُمْ التي هي السبب في هلاككم، فالتقوى تستقيم بها الأمور، ويندفع بها كل محذور ولهذا قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " انتهى من "تفسير السعدي"(673).
ثانيًا:
المقصود بالأعمال هنا - والله أعلم - العمل للدار الآخرة، والمقصود بإصلاحه: التوفيق له، وأن يرزق العبد فيه الإخلاص، وأن يتقبلها الله .
انظر: "تفسير الطبري"(19/ 196)، و"تفسير البغوي"(6/ 379).
قال ابن كثير: " يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولا سديدا أي: مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم، أي: يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية ، وما قد يقع منهم في المستقبل : يلهمهم التوبة منها.
ثم قال: ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما : وذلك أنه يجار من النار، ويصير إلى النعيم المقيم " انتهى من " تفسير ابن كثير"(6/ 487).
وقال البقاعي: " يصلح لكم أعمالكم أي بأن يدخلكم في العمل الصالح ، وأنتم لا تعلمون ما ينبغي من كيفيته، فيبصركم بها شيئًا فشيئًا، ويوفقكم للعمل بما جلاه لكم ، حتى تكونوا على أتم وجه وأعظمه ، وأرضاه وأقومه، ببركة قولكم الحق على الوجه الحسن الجميل " انتهى من " نظم الدرر"(15/ 422).
ثالثًا:
ومن بركات التقوى ، والتوفيق للعمل الصالح : أن يعود ذلك على توفيق العبد للخير في دنياه ؛ كمال قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)، فقد ورد عن أهل التفسير، أنه الرزق الحلال، انظر: "تفسير الطبري"(17/ 290)، شاكر .
والله أعلم