الحمد لله.
لا نعلم في نصوص الشرع ما يدل على استحباب أن يجامع الرجل زوجته ليلة الجمعة خاصة، فضلا عن أن يكون له على ذلك أجر مضاعف.
ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب مجامعة الزوجة يوم الجمعة ، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ... الحديث .
رواه البخاري (881)، ومسلم (850).
قال النووي رحمه الله:
" قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ) مَعْنَاهُ: غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي الصِّفَاتِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: الْمُرَادُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً. قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُوَاقَعَةُ زَوْجَتِهِ، لِيَكُونَ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَسْكَنَ لِنَفْسِهِ .
وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (6/ 135)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وَفِي رِوَايَة ابن جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: (فَاغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ كَمَا يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ) وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْكَيْفِيَّةِ ، لَا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
وَقِيلَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَغْتَسِلَ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ: أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَلَا تَمْتَدُّ عَيْنُهُ إِلَى شَيْءٍ يَرَاهُ، وَفِيهِ حَمْلُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى الِاغْتِسَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَالصَّوَابُ الأول. انْتهى .
وَقد حَكَاهُ ابن قُدَامَةَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَثَبَتَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ، فَلَا وَجْهَ لِادِّعَاءِ بُطْلَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ، وَلَعَلَّهُ عَنَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْمَذْهَبِ " انتهى من "فتح الباري" (2/ 366) .
واستدلوا أيضا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا .
رواه أبو داود (345)، والترمذي (496)، والنسائي (1381)، وصححه الألباني.
قال النووي رحمه الله:
" رُوِيَ غَسَلَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ وَغَسَّلَ بِتَشْدِيدِهَا، رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِالتَّخْفِيفِ .
فَعَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: غَسَّلَ زَوْجَتَهُ ، بِأَنْ جَامَعَهَا ، فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ ، وَاغْتَسَلَ هُوَ . قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ .
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ غَسَّلَ أَعْضَاءَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ .
وَالثَّالِثُ: غَسَّلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ .
وَعَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فِي مَعْنَاهُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ :
أَحَدُهَا: الْجِمَاعُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، قَالَ: وَيُقَالُ غَسَلَ امْرَأَتَهُ: إذَا جَامَعَهَا.
وَالثَّانِي: غَسَلَ رَأْسَهُ وَثِيَابَهُ .
وَالثَّالِثُ: تَوَضَّأَ .
وَالْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: غَسَلَ رَأْسَهُ .
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ) .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ ، هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا ، وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 543) .
فالراجح أن أحاديث الأمر بالغسل يوم الجمعة متعلقة بالرواح للجمعة، لما يستحب لها من الاغتسال والتطيب والادهان، وليس شيء منها متعلقا باستحباب الجماع في هذا الوقت .
والله تعالى أعلم.