الحمد لله.
وردت الرواية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ " ووردت عنه أيضا الرواية الأخرى " وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ ".
والروايتان عند البيهقي في "الأسماء والصفات" (2 / 290 - 291)؛ حيث قال رحمه الله تعالى:
" أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةُ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ، وَيَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ "، ـ أَظُنُّهُ أَرَادَ ـ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَغِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ ".
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرَهُ " انتهى.
ومعاني الروايتين متوافقة لا خلاف بينها فلعل بعض الرواة روى هذا الأثر بالمعنى ولم ينقله بنصه، أو رواه مختصرا ، واقتصر على ذكر الكرسي ، بينما رواية الأثر مطولا ، على وجهه : تذكر العرش والكرسي معا .
وإذا قدر أن الأثر ليس فيه اختصار ، وأن روايته على هذا الوجه ، فلا تعارض بين ما ذكر في الأثر من أن الله فوق الكرسي ، وما تقرر من أن الله جل جلاله استوى على عرشه .
ووجه عدم التعارض هو أن كون الله تعالى فوق الكرسي هو حق؛ لأنه سبحانه وتعالى أعلى منه، فكون الله تعالى فوق العرش يلزم منه أنه فوق الكرسي؛ لأن العرش أعلى من الكرسي ، وأعظم ، والكرسي موضع القدمين .
على أن من العلماء من يقول إن العرش هو الكرسي ، وعلى ذلك : فلا إشكال أصلا في المسألة ، وإنما يعبر بكلا الاسمين عن مسمى واحد .
والراجح : أن العرش شيء ، والكرسي شيء آخر ، والعرش أعظم وأعلى من الكرسي .
ينظر : كتاب "العرش" للذهبي ، مقدمة المحقق (1/347) وما بعدها .
وينظر أيضا ما سبق بيانه في الجواب رقم : (9566).
والله أعلم.