الحمد لله.
أولًا:
هذه الآية موعظة للناس جميعًا ، في شأن أموال الضعفة من اليتامى والنساء والصبيان . وجاء التعبير بالفعل المضارع المجزوم بلام الأمر يخش، ليدل على تجدد الخشية كل حين، وألا يغفل الإنسان عنها في وقت من الأوقات لأنه لا يدري متى يأتيه أجله، ويترك الذرية .
وأما التعبير بالفعل الماضي خافوا، ليدل أن الخوف متجذر في قلوب الآباء ، بحيث لا يحتاج معه إلى تجديده في نفوسهم .
يقول الإمام الطاهر ابن عاشور:
" ... ابتدأت الموعظة بالأمر بخشية الله تعالى ؛ أي خشية عذابه .
ثم أعقب بإثارة شفقة الآباء على ذريتهم ، بأن ينزلوا أنفسهم منزلة الموروثين، الذين اعتدوا هم على أموالهم، وينزلوا ذرياتهم منزلة الذرية الذين أكلوا هم حقوقهم .
وزاد إثارة الشفقة : التنبيه على أن المعتدى عليهم خلق ضعاف ، بقوله: ضعافا .
ثم أعقب بالرجوع إلى الغرض المنتَقَل منه ، وهو حفظ أموال اليتامى، بالتهديد على أكله بعذاب الآخرة ، بعد التهديد بسوء الحال في الدنيا.
فيفهم من الكلام : تعريض بالتهديد بأنْ نُصِيب أبناءَهم ، مثل ما فعلوه بأبناء غيرهم .
والأظهر أن مفعول (يخش) حذف ، لتذهب نفس السامع في تقديره كل مذهب محتمل، فينظر كل سامع بحسب الأهم عنده ، مما يخشاه أن يصيب ذريته.
وجملة (لو تركوا) إلى : (خافوا عليهم) : صلة الموصول، وجملة (خافوا عليهم): جواب (لو) .
وجيء بالموصول لأن الصلة ، لما كانت وصفًا مفروضًا : حسن التعريف بها ؛ إذ المقصود تعريف من هذه حاله، وذلك كاف في التعريف للمخاطبين بالخشية ؛ إذ كل سامع يعرف مضمون هذه الصلة ، لو فرض حصولها له، إذ هي أمر يتصوره كل الناس...
وفعل (تركوا) ماض ، مستعمل في مقاربة حصول الحدث مجازا ...
فالمعنى: لو شارفوا أن يتركوا ذرية ضعافا ، لخافوا عليهم من أولياء السوء.
والمخاطب بالأمر: من يصلح له من الأصناف المتقدمة ؛ من الأوصياء، ومن الرجال الذين يحرمون النساء ميراثهن، ويحرمون صغار إخوتهم ، أو أبناء إخوتهم ، وأبناء أعمامهم ، من ميراث آبائهم ؛ كل أولئك داخل في الأمر بالخشية، والتخويف بالموعظة .
وفي الآية ما يبعث الناس كلهم على أن يغضبوا للحق من الظلم، وأن يأخذوا على أيدي أولياء السوء، وأن يحرسوا أموال اليتامى ، ويبلغوا حقوق الضعفاء إليهم، لأنهم إن أضاعوا ذلك يوشك أن يلحق أبناءهم وأموالهم مثل ذلك، وأن يأكل قويهم ضعيفهم، فإن اعتياد السوء ينسي الناس شناعته، ويكسب النفوس ضراوة على عمله" انتهى من " التحرير والتنوير"(4/ 253 - 254)، بتصرف.
ثانيًا:
الاعتناء بفهم القرآن، من جليل الأعمال وصالحها، والذي يمكن أن نرشحه في هذا المقام، كتاب: "المختصر في تفسير القرآن"، إعداد: مركز تفسير للدراسات القرآنية .
ولمعرفة معاني مفرداته : " السراج في معرفة غريب القرآن" ، للدكتورالخضيري .
ولفهم الفروق بين الألفاظ ، فإن من الكتب الميسرة: "دقائق الفروق اللغوية في البيان القرآني" ، د. محمد ياس الدوري، دار الكتب العلمية .
أما التناسب بين الآي والسور، فله كتب من أشهرها:
"نظم الدرر في تناسب الآي والسور"، للإمام البقاعي .
واهتم به الطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" .
"الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره"، د. محمد القاسم .
والله أعلم