الحمد لله.
أولا :
السفر للتنزه والفرجة : هو من أمور العادات التي الأصل فيها الإباحة، ولا يعلم دليل على تحريمها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) .
ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى، من " مجموع الفتاوى " (29 / 16 – 18) .
وقد نص على هذا كثير من أهل العلم؛ جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (25 / 28):
" وقد صرح الشافعية والحنابلة بأن السفر لرؤية البلاد والتنزه فيها مباح " انتهى.
و "تاج محل" : السفر إليه لأجل الفرجة: حكمه من حيث الأصل لا يخرج عن الإباحة .
وما يوجد فيه من قبر، فإن السائح لا يشد الرحال إليه بنية الطاعة ؛ فليس هو قبر نبي ، ولا ولي ، ولا أحد ممن يعظمه الناس تعظيما دينيا ، ويقصدون قبره قصدا محرما ، لأجل ذلك .
بل المعروف أن السائح لا يقصد من ذلك المكان إلا الفرجة على القصر، والقبر مجرد تابع له ، هذا إن تمكن من رؤية نفس القبر ، أو زيارته هناك .
وإذا قدر أنه زار المكان للفرجة والسياحة ، ثم تمكن من رؤية القبر هناك ، أو زيارته وهو في المكان ، أو الدعاء والاستغفار لمن دفن فيه من المسلمين : لم يكن ذلك ممنوعا .
وإنما الممنوع في حق الذاهب إلى هناك: شد الرحل ، والسفر بقصد زيارة القبر ، ثم شهود ما يقع عند القبور من الأمور البدعية المحرمة .
ثانيا:
ما سبق تقريره من إباحة السفر للسياحة والنزهة ، في هذا المكان ، أو نحوه ؛ هذه الإباحة مقيدة بشرط ألا يكون في المكان اختلاط على وجه محرم ، أو منكرات ، لا يتمكن الزائر من النهي عنها ، أو تغييرها ، أو الخلوص بنفسه من حضورها ، وشهودها ، أو الوقوع فيها .
قال الله تعالى ، في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا الفرقان/72 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل ، والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء ، والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك .
وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه .
وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية .
وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ : وهو الكلام الذي لا خير فيه ، ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ، ككلام السفهاء ونحوهم .
مَرُّوا كِرَامًا أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ، ورأوا أن الخوض فيه ، وإن كان لا إثم فيه : فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة ، فربأوا بأنفسهم عنه.
وفي قوله: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه. " انتهى من "تفسير السعدي" (587) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"عن رجل غدا إلى " التكروري " ؛ يتفرج ، فغرق. هل هو عاص أم شهيد؟"
فأجاب:
" إن قصد الذهاب إلى هذا القبر ، للصلاة عنده ، والدعاء به ، والتمسح بالقبر وتقبيله ، ونحو ذلك مما نهي عنه ؛
أو أن يعمل بشيء نهى الله عنه ؛ من الفواحش ، والخمر ، والزمر ؛
أو التفرج على هؤلاء ، ورؤية أهل المعاصي من غير إنكار = فهم عصاة لله في هذا السفر .
وأمرهم إلى الله تعالى، ويرجى لهم بالغرق: رحمة الله " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (27/496).
والله أعلم .