طبيب شارك غيره في عيادة منهم الأجهزة والمعدات ومنه العمل ثم لحقهم غرامات لعدم الترخيص فمن يدفعها منهم ؟

28-02-2019

السؤال 298622

‎أنا طبيب أسنان ، اشتركت مع إخوة في تأسيس عيادة لطب أسنان بشراكة مضاربة ، العيادة غير مرخصة قانونيا بسبب استحالة الترخيص للطبيب الأجنبي ، مني العمل ، ومنهم المال ، المعدات ، والأجهزة ، وبعد فترة من العمل قام شخص بتقديم شكوى ، وأغلقت العيادة ، وتم تشميعها وتحويل القضية للمحكمة . ‎سؤالي : من يتحمل مصاريف المحامي والغرامة التي ستنتج في النهاية هل هو الطبيب أم صاحب رأس المال ، علما ان الشراكة استمرت لثلاث سنوات ، واستفاد كلا الطرفين من أرباح الشركة ولم يقصر الطرف الأول :الطبيب في أداء واجبه ومهامه بشهادة الطرف الثاني ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا اشترك طبيب مع غيره في عيادة، وكان منه العمل، ومن شركائه المعدات والأجهزة، فهذا جائز ، وهو شبيه بالمضاربة، وبالمساقاة والمزارعة، وهذا مذهب الحنابلة.

قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما يرزق الله بينهما نصفين ، أو أثلاثا ، أو كيفما شرطا، صح، نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد. ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا ...

لأنها عين ، تنمى بالعمل عليها : فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة ...

ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك؛ لأنه عوض مجهول ، وعمل مجهول.

وقد ذكرنا وجه جوازه" انتهى من المغني.

وقال ابن القيم رحمه الله : " تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره ، بأن يدفع إليه أرضه ويقول : اغرسها من الأشجار كذا وكذا ، والغرس بيننا نصفان ، وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه ، والربح بينهما نصفان ، وكما يدفع إليه أرضه يزرعها ، والزرع بينهما ، وكما يدفع إليه شجره يقوم عليه ، والثمر بينهما ، وكما يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها ، والدر والنسل بينهما ، وكما يدفع إليه زيتونه يعصره ، والزيت بينهما ، وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها ، والأجرة بينهما ، وكما يدفع إليه فرسه يغزو عليها ، وسهمها بينهما ، وكما يدفع إليه قناة يستنبط ماءها ، والماء بينهما ، ونظائر ذلك ; فكل ذلك شركة صحيحة ، قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس ، وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا مصلحة ، ولا معنى صحيح يوجب فسادها .

والذين منعوا ذلك : عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الإجارة ، فالعوض مجهول فيفسد .

ثم منهم من أجاز المساقاة والمزارعة ، للنص الوارد فيها ، والمضاربة للإجماع ، دون ما عدا ذلك ، ومنهم من خص الجواز بالمضاربة ، ومنهم من جوز بعض أنواع المساقاة والمزارعة ، ومنهم من منع الجواز فيما إذا كان بعض الأصل يرجع إلى العامل كقفيز الطحان ، وجوزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الأصل ، كالدر والنسل .

والصواب : جواز ذلك كله ، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها ; فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك ، هذا بماله ، وهذا بعمله ، وما رزق الله فهو بينهما ، وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة ، حتى قال شيخ الإسلام : هذه المشاركات أحل من الإجارة ، قال : لأن المستأجر يدفع ماله ، وقد يحصل له مقصوده ، وقد لا يحصل ، فيفوز المؤجر بالمال ، والمستأجر على الخطر ، إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل ، بخلاف المشاركة ; فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء ، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما ، وإن منعها استويا في الحرمان ، وهذا غاية العدل ; فلا تأتي الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركات .

وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام ، فضارب أصحابه في حياته وبعد موته ، وأجمعت عليها الأمة ، ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، وهذا كأنه رأي عين ، ثم لم ينسخه ، ولم ينه عنه ، ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون ، وأصحابه بعده ، بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم ، وأموالهم يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها ، وهم مشغولون بالجهاد وغيره . ولم ينقل عن رجل واحد منهم المنع إلا فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/ 15).

ثانيا:

إذا كان الجميع على علم بعدم الترخيص، فإن ما يلحقهم بسبب ذلك من غرامة ومصاريف للمحاماة ، فإنها تلزمهم جميعا، ويعمل بالعرف في ذلك، من توزيعها على عدد رؤوسهم، أو على قدر رؤوس أموالهم، وحينئذ يشارك معهم الطبيب بالمعروف، كأن توزع عليهم على قدر نسبة أرباحهم، هذا ما لم يكن بينهم شرط على طريقة توزيع الغرامات، فيعمل به.

وهذا ما ذكره الفقهاء بشأن الغرامات والكلف السلطانية التي تفرض على الشركاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب ، ظلما بلا تأويل ، من أحد الشريكين، ففي رجوعه على شريكه قولان، أظهرهما : الرجوع.

وكذلك في المظالم المشتركة التي يطلبها الولاة من الشركاء، أو الظلمة من البلدان، أو التجار، أو الحجيج، أو غيرهم.

والكلف السلطانية على الأنفس والدواب والأموال، يلزمهم التزام العدل في ذلك، كما يلزم فيما يؤخذ بحق.

فمن تغيب أو امتنع ، فأُخذ من غيره حصته : رجع المأخوذ منه على من أدى عنه ، في الأظهر ، إن لم يتبرع" انتهى من الاختيارات الفقهية، ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 370).

وقال رحمه الله: "فصل في " المظالم المشتركة " التي تطلب من الشركاء ، مثل المشتركين في قرية أو مدينة ، إذا طلب منهم شيء يؤخذ على أموالهم أو رءوسهم: مثل الكلف السلطانية التي توضع عليهم كلهم؛ إما على عدد رءوسهم ، أو عدد دوابهم ، أو عدد أشجارهم أو على قدر أموالهم، كما يؤخذ منهم أكثر من الزكوات الواجبة بالشرع، أو أكثر من الخراج الواجب بالشرع، أو تؤخذ منهم الكلف التي أحدثت في غير الأجناس الشرعية، كما يوضع على المتبايعين للطعام والثياب والدواب والفاكهة وغير ذلك، يؤخذ منهم إذا باعوا، ويؤخذ ذلك تارة من البائعين، وتارة من المشترين...

ومثل القافلة الذين يسيرون حجاجا أو تجارا أو غير ذلك ، فيطلب منهم على عدد رءوسهم أو دوابهم أو قدر أموالهم...

 فهؤلاء المكرهون على أداء هذه الأموال ، عليهم لزوم العدل فيما يطلب منهم، وليس لبعضهم أن يظلم بعضا فيما يطلب منهم؛ بل عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بغير حق، كما عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بحق .

فإن هذه الكلف التي أخذت منهم ، بسبب نفوسهم وأموالهم : هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم. وإنما يختلف حالها بالنسبة إلى الأخذ، فقد يكون أخذا بحق ، وقد يكون أخذا بباطل.

وأما المطالبون بها : فهذه كلف تؤخذ منهم بسبب نفوسهم وأموالهم ، فليس لبعضهم أن يظلم بعضا في ذلك؛ بل العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال، والظلم لا يباح شيء منه بحال...

وحينئذ ؛ فهؤلاء المشتركون ليس لبعضهم أن يفعل ما به ظلم غيره؛ بل إما أن يؤدي قسطه فيكون عادلا، وإما أن يؤدي زائدا على قسطه ، فيعين شركاءه بما أخذ منهم فيكون محسنا. وليس له أن يمتنع عن أداء قسطه من ذلك المال ، امتناعا يؤخذ به قسطه من سائر الشركاء ، فيتضاعف الظلم عليهم" انتهى من مجموع الفتاوى (30/ 337- 339).

ونقل المرداوي في الإنصاف (5/ 485) عنه رحمه الله قوله: "ويتبع في الكلف السلطانية العرف، ما لم يكن شرط...

قال: وما طلب من قرية ، من وظائف سلطانية ونحوها: فعلى قدر الأموال.

وإن وضعت على الزرع: فعلى ربه.

أو على العقار: فعلى ربه. ما لم يشترطه على مستأجر.

وإن وضع مطلقا: رجع إلى العادة " انتهى.

والحاصل :

أن الغرامة ، ومصاريف المحاماة : يشترك فيها الجميع، ولعل العدل هنا أن توزع عليهم على نسبة أرباحهم.

والله أعلم.

الشركة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب