الحمد لله.
أولا:
قال الله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محمد/38.
وهذه الآية في بيان أن الله تعالى غني عن العالمين؛ وأن من آمن واستقام فإنما لنفسه؛ فإن حاد عن الصراط المستقيم؛ فإن الله تعالى له القدرة التامة بأن يأتي بدله بقوم من أهل الطاعة والاستقامة.
قال الإمام الطبري، مجملا أقوال أهل العلم في تفسيرها:
" وقوله تعالى ذكره: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم [محمد: 38] يقول تعالى ذكره: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم، فترتدوا راجعين عنه يستبدل قوما غيركم [محمد: 38] يقول: يهلككم ثم يجيء بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدقون به، ويعملون بشرائعه ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38] يقول: ثم لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يؤمرون به". انتهى، من "تفسير الطبري" (21/222).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا ) أي: عن طاعته واتباع شرعه ، ( يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) أي: ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره " انتهى من"تفسير ابن كثير" (7/ 324).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا ) عن الإيمان بالله، وامتثال ما يأمركم به ( يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) في التولي، بل يطيعون الله ورسوله، ويحبون الله ورسوله، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) " انتهى من"تفسير السعدي" (ص791).
ثانيا:
الذي يظهر أن استعمال القائمين على الفريق لهذه الآية، في السياق المذكور: داخل في التكلف المذموم ، وتسرع إلى ذم الناس بمجرد تركهم لهم، ويتضمن تزكيتهم لأنفسهم، وهو أيضا قول على الله تعالى بلا علم؛ وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36.
فإن ما يقومون به من أعمال هو اجتهاد منهم، قد يصيبون فيه الخير، وقد يخطئون، وقد يكون تاركهم، أو تارك العمل معهم: أبر وأتقى. وقد يكونون على خير، لكنه تركهم، وعمل ما هو خير له وأتقى لله. وقد يكون تركهم على وجه مباح، لا يذم به.
والحاصل: أن القطع على من تركهم بأنه (تولى) بالمعنى المذموم للتولي، كما تدل عليه الآية، وأن الله قد أخلفهم من هو خير منه: هو من التألي على الله، والقول عليه بغير علم.
وبكل حال؛ فلا يخفى ما في هذا القول، واستعماله في حق المسلمين من التحريش بين المسلمين، وإغراء العداوة والبغضاء، وإيقاع النفرة بينهم، زائدا على ما فيه من وضع آيات القرآن في غير موضعها اللائق بها.
والله أعلم.