الحمد لله.
قال تعالى : فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ يونس/98 .
أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة ، أنه لا توجد قرية آمنت حين رأوا دليلَ العذاب ؛ إلا قوم يونس ، فإنهم قد استُثْنُوا من حلول العذاب بهم ، ونفعهم إيمانُهم في ذلك الوقت الذي لا ينفع أحدا إيمانُه فيه .
ومعنى ( ومتعناهم إلى حين ) أي : أن الله تعالى أخر في آجالهم، ولم يُعاجلهم بالعقوبة ، وتركهم في الدنيا ، يستمتعون فيها بآجالهم ، إلى حين مماتهم ، ووقت فناء أعمارهم .
فلم يُهلكهم الله تعالى في ذلك الوقت ، وإنما أخر إهلاكهم إلى وقت محدود، وهو ما قدره الله من آجالهم ، ووقت موتهم .
قال ابن كثير : " لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ، ممن سلف من القرى، إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى.
وما كان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ، بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم ، فعندها جأروا إلى الله ، واستغاثوا به ، وتضرعوا لديه ، واستكانوا ، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم ، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم.
فعندها: رحمهم الله ، وكشف عنهم العذاب وأخروا، كما قال تعالى: (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) .
واختلف المفسرون: هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي؟ أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين، أحدهما: إنما كان ذلك في الحياة الدنيا، كما هو مقيد في هذه الآية.
والقول الثاني: فيهما ؛ لقوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين [الصافات: 147، 148] ؛ فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي، وهذا هو الظاهر، والله أعلم.
قال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتُركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم، وظنوا أن العذاب قد دنا منهم؛ قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة!!
فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم؛ كشف الله عنهم العذاب، بعد أن تدلى عليهم " ، انتهى، من " تفسير ابن كثير " (4/ 297).
وينظر: "التحرير والتنوير" (11/ 291).
وهذا الحكم خاص بمن كان موجودًا وقت ظهور أدلة العذاب، فإنهم آمنوا بيونس ، كما سبق نقله عن غير واحد من أهل العلم .
وأما أن هذه القرية هي آخر قرية تقوم عليه الساعة : فلا دليل عليه ، ولم يأت به أثر صحيح ، ولا ضعيف ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال به.
ثم الظاهر من أحوال الحشر، وأخباره : خلاف ذلك . فإن الناس إنما يحشرون ، عند قيام الساعة ، إلى الشام فإنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرض المحشر والمنشر )، أخرجه الإمام أحمد في المسند (6 / 463) ، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة (1 / 450) ، وأخرجه الربعي في فضائل الشام (4) ، وصححه الألباني في تخريجه له.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (11954) ، ورقم : (266178) .
والله أعلم