الحمد لله.
أولا:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، ومن أظهر الأشياء التي تظهر فيها سماحة الشريعة: الطهارات، وما شرع فيها ، وفي أنواعها .
و"النتر" و"السلت" : مما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، ولا حث للعباد عليه؛ وبحسب امرئ ، متى انقطع خروج النجاسة منه: أن يتطهر، ثم ينهض من مكان حاجته، من غير حاجة إلى شيء من ذلك.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي، رحمه الله: " النتر بضرب رأس الذكر، كالسلت: غير مشروع ولم يثبت به شيء، وفيه حديث ضعيف، ولا يعتبر من السُّنة، وكل من السّلت، والنتر مدعاة للوسوسة، والتباس الأمور على صاحبها، ولكن المكلف يتقي الله على قدر استطاعته، وشريعتنا شريعة رحمة، وتيسير وليست بشريعة عذاب، ولا عنت، ولا تعسير كما قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
يقوم الإنسان، فإن أحسّ بخروج خارج، أو حركة في العضو، ولم يتأكد من خروجه: فإنه يحكم باليقين، وهو عدم الخروج، حتى يستيقن، أو يغلب على ظنه الخروج.
ولو حكم باليقين، وبقي عليه، وكان الواقع أنه خرج شيء، ولم يعلم به: فإن صلاته صحيحة، وطهارته مجزئة، لأنه عمل بالأصل، امتثالاً للشرع، والتزاماً لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ حيث أمر من استيقن الطهارة ألا يحكم بضدها إلا بيقين، أو غالب ظن.
كما دلّ على ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيحين، حينما شُكِي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجلُ يجدُ الشيءَ في الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: [لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً].
وإذا استمر على ذلك، انقطعت عنه الوساوس والشكوك بإذن الله تعالى." انتهى، "شرح زاد المستقنع" للشنقيطي.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (65521).
ثانيا:
إذا كان بك مرض لا يتوقف معه البول إلا بالنتر كما وصفت، ففي هذه الحال يشرع لقطع سيلان النجاسة.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
" (ثم ينتره ثلاثا) ....
لأنه بالنتر يستخرج ما عساه يبقى ويخشى عوده بعد الاستنجاء، هذا هو الاستبراء، فإن احتاج أن يمشي خطوات مشى خطوات...
قال الشيخ تقي الدين: ذلك بدعة، ويتوجه: إن لم يستبرئ خرج منه شيء، وجب " انتهى من "المبدع" (1 / 66).
وعلى ذلك نقول:
إذا كان الأمر على ما ذكرت، من أنك متى فعلت ذلك بعد البول، "السلت" : انقطعت نزول البول، فقد نص الفقهاء – الذين يقولون بمشروعية ذلك - : على أن السلت ، أو النتر : إنما يكون برفق ؛ وبذلك تتحقق فائدته، ويُتقى ضرره .
وينظر: "الموسوعة الفقيهة الكويتية" (40/64-65).
ثم لا بأس أيضا أن تضع على رأس الذكر، عند "السلت" أو "النتر" منديلا، ونحوه ، تتقي به انتشار النجاسة إلى بدنك، أو ثوبك.
والأحسن لك، أيضا: أن تنضح يثابك، لتقطع الوسواس عنك .
فإذا أمكنك أن تفعل ذلك: فلا بأس به.
وإلا، فالذي نراه لك: أن تدع ذلك الأمر كله، وتقضي حاجتك، على ما يكون من عامة الناس، ومتى رأيت البول قد انقطع، فتطهر، وقم من مكانك، وانضح ثوبك، ولا تشغل نفسك بما يكون بعد ذلك.
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم:(285880).
فإذا اجتهدت في ذلك، انقطع عنك انتشار النجاسة إلى بدنك ، أو ثوبك ، بإذن الله.
وإذا قدر أنه وجد شيء يسير من ذلك، لم تتمكن من دفعه نزوله، أو التطهر منه ، فيسير النجاسات معفو عنه ، لا سيما لمن ابتلي بمثل حالك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وللعلماء رحمهم الله تعالى في مسألة يسير النجاسة أقوال:...
القول الثالث: أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات.
وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا سيما ما يبتلى به الناس كثيرا كبعر الفأر، وروثه، وما أشبه ذلك، فإن المشقة في مراعاته، والتطهر منه حاصلة، والله تعالى يقول: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " انتهى من "الشرح الممتع" (1 / 446).
ثالثا:
الأمر بالتنزه من البول متعلق بالاستطاعة والقدرة وعدم وجود مشقة وحرج.
قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا البقرة/286.
وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
فقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد تنازع العلماء في التيمم لخشية البرد: هل يعيد؟ وفيمن صلى في ثوب نجس لم يجد غيره: هل يعيد؟ وفي مواضع أخر.
والصحيح في جميع هذا النوع: أنه لا إعادة على أحد من هؤلاء؛ بل يصلي كل واحد على حسب استطاعته ويسقط عنه ما عجز عنه؛ ولا إعادة عليه ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله أحدا أن يصلي الفرض مرتين مطلقا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 224).
وهذه الرخصة تتناول الثوب كما تتناول أيضا البدن؛ لأن رفع الحرج وسقوط الأمر بالطهارة من النجاسة عند عدم الاستطاعة، هي قاعدة عامة لا تخص الثوب دون البدن.
لكن يجب التنبه إلى أن القاعدة: أن ما يتيسر فعله من الأمر لا يسقط بالعجز عن بعضه.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فهذه الآية - ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) - تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 868).
والله أعلم.