الحمد لله.
أولًا :
" الإرادة والمشيئة صفتان ثابتتان بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا الأنعام/125.
وقوله: إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ المائدة/1 .
وقوله: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ الإنسان/30 .
وقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء آل عمران/26 .
الدليل من السنة:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكَّل الله بالرحم ملكاً ... فإذا أراد الله أن يقضي خلقها؛ قال ... رواه البخاري (6595) ، ومسلم (2646).
وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله بقوم عذاباً؛ أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم رواه مسلم (2879) .
حديث إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء رواه مسلم (2846) .
قال شيخ الإسلام - بعد أن سرد بعض الآيات السابقة وغيرها -: " وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته .. " ، انتهى من " التدمرية "(25).
ويجب إثبات صفة الإرادة بقسميها الكوني والشرعي؛ فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة "، انتهى ، انظر: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" لعلوي بن عبد القادر السقاف ( ص49 ).
ثانيًا :
صفة الإرادة والمشيئة عند أهل السنة نوعها قديم ، وأما الإرادة للشيء المعين فإنما يريده الله في وقته ، فهي من الصفات الذاتية الفعلية .
قال ابن تيمية : " فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشىء المعين : فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها، فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يُرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته، أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد "، انتهى .
وقال مبينًا أقوال الناس في الإرادة : " "وهو سبحانه إذا أراد شيئا من ذلك، فللناس فيها أقوال:
قيل: الإرادة قديمة أزلية واحدة، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد، ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة: أنها تخصص بلا مخصص، فهذا قول ابن كلاب والأشعري ومن تابعهما ... .
والقول الثاني: قول من يقول بإرادة واحدة قديمة، مثل هؤلاء، لكن يقول تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، كما تقوله الكرامية وغيرهم ... .
والقول الثالث: قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة، أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل، كقول البصريين ... .
والقول الرابع: أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين، فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها، فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد " ، انتهى ، انظر : " مجموع الفتاوى "(16/ 301 - 303) ، " موقف ابن تيمية من الأشاعرة " (3/ 1059).
ويقول الشيخ صالح آل الشيخ : " الإرادة من حيث هي صفة: قديمة، لكن من حيث تعلقها بالمعين هذا متجددة، فلا نقول إن الله جل وعلا شاء أن يخلق أحمد - مثلا - شاء أن يخلق أحمد منذ القدم، في الأزل شاء أن يخلق أحمد - هذا من الناس - في ذلك الحين، ولكن لم يُخلق إلا بعد كذا وكذا من الزمن.
نقول هو جل وعلا شاء أن يخلق أحمد إذا جاء وقت خلقه، فإذا شاء الله أن يخلقه خلقه، وأما الصفة القديمة صفة (الإرادة) فهي متعلقة به جل وعلا، يعني : مريد ، لم يزل مريدا، وتعلق (الإرادة) به بتجدد تعلق الحوادث.
ولهذا نقول : إن إرادة الله جل وعلا ، ومشيئته المعينة ، للشيء المعين : هذه هي التي نعني بها بتجدد الأفراد، ومن حيث هي صفة ، فإن الله جل وعلا لم يزل متصف بتلك الصفة.
وسبب هذا الخلاف بينهم : أن أهل السنة والجماعة يقولون بأن الله جل وعلا لم يزل حيا ، فعالا لما يريد، فلا ينفون عن الله جل وعلا الإحداث والخلق ، في ما شاء جل وعلا من الزمان.
بخلاف المبتدعة من الأشاعرة والماتريدية والمتكلمة : فإنهم يقولون الله جل وعلا متصف بالصفات، لكنه لم تظهر آثار تلك الصفات إلا في وقت معين. نعم متصف بالخلق ، لكنه لم يخلق زمانا طويلا ثم بعد ذلك خلق، متصف بالعلم ولا معلوم، متصف بالقدرة ولم تظهر آثار القدرة إلا بعد أن وجد مقدور وهكذا.
فإذن عند أهل السنة والجماعة أن إرادة الله جل وعلا أزلية ، لم يزل الله جل وعلا كذلك، الله جل وعلا هو (الأول) وصفاته كذلك، لم يزل متصفا بتلك الصفات، ومقتضى ذلك أن يكون لتلك الصفات آثار في ملكوته "، انتهى ، من "شرح الواسطية " (182 - شاملة).
والله أعلم .