الحمد لله.
هذه الهدايا هي هدية من شركة العطور للزبائن لترغبهم في شراء بضاعتها ، وصاحب المحل هو مجرد وكيل عن الشركة لإيصال هذه الهدايا إلى الزبائن ، وهذه الهدايا كما أنها دعاية للشركة ، فهي دعاية أيضا للمحل ، وتكون سببا في زيادة مبيعاته .
وبناء على هذا ؛ فلا يجوز للعامل في المحل أن يأخذ شيئا من هذه الهدايا ما دام لم يشتر شيئا.
وذلك لأمرين :
الأمر الأول: أن هذا خلاف الشرط الذي وضعه صاحبها، فلا يحل أخذها إلا بشرطها، وبما يأذن به صاحبها؛ وإلا كان من أكل أموال الناس ظلما واعتداء.
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ النساء /29 .
وعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ ، فَقَالَ : ... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ ، ثُمَّ قَالَ : اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ... ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (34 / 299) وصححه محققو المسند.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُه ُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُه ُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ ؟ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ رواه البخاري (2435) ، ومسلم (1726).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال بن عبد البر: في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه ، وإنما خص اللبن بالذكر، لتساهل الناس فيه؛ فنبه به على ما هو أولى منه " انتهى من "فتح الباري" (5 / 89).
الأمر الثاني:
أن العامل في المحل راع على مال صاحب المحل، فيجب أن يحسن رعايته.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ رواه البخاري (2554) ، ومسلم (1829).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة، يجب أداؤها ...
وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح ، كما قال الله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) . ولم يقل إلا بالتي هي حسنة.
وذلك لأن الوالي راع على الناس، بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... ) أخرجاه في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة ) رواه مسلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (28 / 250 – 251).
ولا شك أن أخذ العامل هذه الهدايا لنفسه، من غير شراء من البضاعة: فيه عدم رعاية للأمانة التي وُكلّ بها، وغش للشركة التي بذلت الهدية، وغش لصاحب المحل، في آن واحد .
والله أعلم.