الحمد لله.
أولا:
صنع الطعام لأهل الميت من أمور الإحسان التي ورد الحث عليها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: " لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ " .
رواه أبو داود (3132)، والترمذي (998)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ"، وحسّنه الألباني في "أحكام الجنائز" (1 / 167).
ولأنه ربما قصدهم المعزون من أماكن بعيدة، فلا يسعهم إلا أن يضيفوهم، فيحسن أن يعانوا على هذا الأمر، لانشغالهم بمصيبتهم.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبرا لقلوبهم؛ فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم، وبمن يأتي إليهم: عن إصلاح طعام لأنفسهم.
وقد روى أبو داود، في "سننه"، بإسناده عن عبد الله بن جعفر، قال: ( لما جاء نعي جعفر... ) الحديث.
وروي عن عبد الله بن أبي بكر، أنه قال: فما زالت السنة فينا، حتى تركها من تركها.
فأما صنع أهل الميت طعاما للناس، فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلا لهم إلى شغلهم، وتشبها بصنع أهل الجاهلية. وروي أن جريرا وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النوح.
وإن دعت الحاجة إلى ذلك : جاز؛ فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، فلا يمكنهم أن لا يضيفوه " انتهى من "المغني" (3 / 496 - 497).
ولا يجوز أن يجبر أحد على دفع هذا المبلغ ، بل يجمع ممن يعطيه بطيب نفس ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ .
رواه أحمد في " المسند " (34 / 299) وقال محققو المسند : صحيح لغيره، وصححه الشيخ الألباني بشواهده في "ارواء الغليل" (5 / 279).
ويحترز من أخذها بسيف الحياء.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (18 / 263):
" صرح الشافعية والحنابلة أنه: إذا أخذ مال غيره بالحياء ، كأن يسأل غيره مالا في ملأ ، فدفعه إليه بباعث الحياء فقط .. أنه لم يملكه ، ولا يحل له التصرف فيه " انتهى.
وقد حكى ابن حجر الهيتمي الإجماع على هذا في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3 / 30).
وسُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" .. استفتاءه عن المبالغ التي تدفع من القبيلة أو الفخذ في صندوق ، على كل نفر خمسون ريالا من أجل نوائب الدهر، أي: الحوادث والديات المترتبة على الوفيات فيها.
لذا نأمل من الله ثم منكم إفتاءه ، في حكم زكاة مثل هذا المال المحجوز، وكذا توضيح حكم إلزام القبيلة بدفع الدية، مع أن المذكور بالشرع: الدية على العاقلة. هذا والله أسأل أن يبارك في جهودكم ويطيل في طاعته عمركم.
فأجابت: المال المجموع من أجل مساعدة المحتاجين : لا زكاة فيه؛ لأنه ليس له مالك، ولأنه يصرف فيما تصرف فيه الزكاة، وهو مساعدة المحتاجين والغارمين.
ولا يجوز إجبار أحد على دفع مبلغ شهري أو سنوي للجمعية، وإنما هو على سبيل الاختيار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (8 / 194).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (215016)، ورقم : (220923)، ورقم : (170391) .
والله أعلم.