هل العمرة في رمضان تكفرالكبائر كالحج ويرجع المعتمر في رمضان كيوم ولدته امه
الحمد لله.
عَنِ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟
قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً .
رواه البخاري (1782)، ومسلم (1256) واللفظ له.
واتفق العلماء على أن العمرة لا تعدل الحج في كل شيء ، فإنها لا تسقط فرض الحج بالإجماع.
قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى مقدما لحديث ابن عباس هذا:
" باب فضل العمرة في رمضان، والدليل على أنها تعدل بحجة ، مع الدليل على أن الشيء قد يشبه بالشيء ويُجعل عِدْله ، إذا أشبهه في بعض المعاني، لا في جميعه؛ إذ العمرة لو عدلت حجة في جميع أحكامها ، لقُضي بالعمرة فرض الحج، ولكان المعتمر في رمضان ، إذا كان عليه حجة الإسلام : تُسقِط عمرته في رمضان حجة الإسلام عنه، وكان الناذر حجا لو اعتمر في رمضان ، كانت عمرته في رمضان قضاء لما أوجب على نفسه من نذر الحج " انتهى من "صحيح ابن خزيمة" (4/ 360 - 361).
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" وقوله: (كحجة) يريد فى الثواب، والفضائلُ لا تدرك بقياس، والله يؤتى فضله من يشاء " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (4 / 438).
وعلى ذلك؛ فالمعنى الظاهر: أن العمرة في رمضان، تعدل حجة في الثواب، لكن يبقى الحج مختصا بفضائل لا تدرك بمجرد فعل العمرة في رمضان، وهذه القضية شبيهة بقضية "سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن".
قال الترمذي رحمه الله تعالى:
" قال إسحاق: معنى هذا الحديث: مثلُ ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ( مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ ) انتهى من" سنن الترمذي" (3 / 268).
ومن المعلوم: أن المقتصر على سورة الإخلاص وحدها، لا يدرك كل فضائل القارئ لثلث للقرآن من كل وجه، ولا من قرأها ثلاث مرات، كان مدركا لفضيلة من قرأ القرآن كله.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/604) :
"فَالْحَاصِلُ : أَنَّهُ أَعْلَمَهَا أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ الْحَجَّةَ فِي الثَّوَابِ ، لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ لَا يُجْزِئُ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ" انتهى .
وفي "عون المعبود" (4/358) :
"أَيْ تَقُوم مَقَامهَا فِي الثَّوَاب ، لَا أَنَّهَا تَعْدِلهَا فِي كُلّ شَيْء ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّة ، فَاعْتَمَرَ فِي رَمَضَان : لَا تُجْزِئهُ عَنْ الْحَجَّة" انتهى .
وفي "شرح مسند أبي حنيفة" (1/149) :
"(تعدل حجة) أي : تساويها وتقاربها" انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (4/475) :
"قال الطيبي : وهذا من باب المبالغة ، وإلحاق الناقص بالكامل ؛ ترغيبا وبعثا عليه ، وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج اهـ.
وفيه : أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله ، إذا أشبهه في بعض المعاني لا كلها " انتهى باختصار .
ونقل ابن علان في "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" (3/66) عن ابن الجزري قوله :
"وهذا وأشباهه ورد كثيرا في الحديث ، مثل قوله : (من صام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر ) ، وفيمن قرأ قل هو الله أحد ، تعدل ثلث القرآن ؛ يريد الأجر بغير مضاعفة ، بخلاف من فعل فإن له الأجر بالمضاعفة ؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفا ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة" انتهى .
وبهذا يتبين أن العلماء متفقون بأنه لا يستفاد من الحديث أن العمرة في رمضان تعدل الحج في كل شيء .
ولم نجد – بعد طول بحث- من صرح من العلماء بأن العمرة في رمضان لها جميع ما يترتب على الحج من أجر وثواب ، وتكفير للذنوب ، بل وجدنا بعضهم يصرح بأن الحج أفضل أجرا ، وأكثر ثوابا ، كما في بعض النقول السابقة .
وعلى هذا ؛ فلا يمكن الجزم بأن تكفير الذنوب ثابت للعمرة في رمضان ، كما ثبت ذلك للحج ؛ وأنه يعود من العمرة كيوم ولدته أمه، كما ثبت ذلك في الحج المبرور.
ومع ذلك ففضل الله تعالى واسع ، وأصل فضيلة العمرة ثابت لا ريب فيه ، وتكفيرها للذنوب – في الجملة – ثابت أيضا .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ رواه الترمذي (810)، والنسائي (2631)، وغيرهما، وصححه الألباني.
وينظر في تكفير الحج للكبائر جواب السؤال رقم: (41811).
والحاصل:
أن حديث فضيلة العمرة في رمضان : ليست كفضيلة الحج من كل وجه ، وإن كانت قد شبهت به من حيث الجملة ، وتفاصيل الفضائل، والثواب: لا تدرك بالقياس؛ إنما مردها إلى نص الوحي بتفصيل ذلك.
والله أعلم.