أنا طالب علم، أتعلم عند شيخ إمام مسجد، لكن لاحظت على الشيخ أنه معظم الأحيان لا يأتي لأداء صلاة الظهر والعصر في مسجده، ويقول : إن مدير مديرية الأوقاف التابع لها يسمح له بذلك، أن يغيب الظهر والعصر، ثم لاحظت أنه حتى الفجر لا يصلي بمسجده، يصلي فقط المغرب والعشاء في مسجده، وأحيانا يخرج إلى مسجد آخر لأداء صلاة العشاء؛ ليلتقي بأصدقاءه من المشايخ. فهل يجوز له ذلك، على الرغم أنه يتقاضى راتبا ؟ وهل يجوز لمدير الأوقاف أن يسمح له بأن لا يحضر صلاة الظهر والعصر، مع العلم أن المديرية هناك جهة أعلى منها كوزارة الأوقاف، والمدير سمح له فقط بالظهر والعصر؟ وهل يجوز أخذ العلم منه ؟
الحمد لله.
أولا :
الواجب على الموظفين أن يلتزموا بالاتفاق القائم بينهم وبين جهة العمل ، من حيث عدد ساعات الدوام أو طبيعة العمل ... ونحو ذلك .
ولا يجوز للموظف أن يقصر في عمله ثم يستلم راتبه كاملا .
وقد تدعو الضرورة أو الحاجة الماسة ، إلى أن يخرج الموظف من عمله لسبب طارئ ، فلا حرج على المدير أن يأذن له في هذه الحال ، مراعاةً للظرف الطارئ .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة ، أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب : "الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ، ولا أن يتقدم قبل انتهائه.
السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟
الشيخ: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل .
فما دامت المكافأة مربوطة بزمن، فلا بد أن يستوفى هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/14).
وسئل أيضا رحمه الله : بعض الموظفين يترك دوامه فيخرج قبل انتهاء الدوام أو أثناء الدوام ويعود أو يتأخر عن موعد الدوام فما حكم ذلك؟
فأجاب : "لا يحل لموظف أن يخرج قبل انتهاء الدوام ، ولا أن يتأخر عن بدء الدوام ، ولا أن يخرج في أثناء الدوام, لأن هذا الدوام ملك للدولة يأخذ عليه مقابلاً من بيت المال.
لكن ما جرت به العادة : إذا دعت الحاجة إلى الخروج في أثناء الدوام ، واستأذن رئيسه أو مديره ، ولم يتعطل العمل بخروجه : فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (126121) .
أما أن يأذن المدير للإمام أن يترك الإمامة دائما في صلاتي الظهر والعصر ، فليس ذلك من حق المدير ، لأن الواجب عليه مراعاة نظام العمل ما دام لا يخالف الشرع .
غير أن هؤلاء يتساهلون في صلاتي الظهر والعصر بحجة أنهما صلاتان سريتان ، ويحسنهما كل أحد ، بخلاف الصلوات الجهرية .
ولكن .. حتى الصلاة السرية تحتاج إلى فقه ، وليس مجرد القراءة فقط ، وكم من إمام جاهل أَمَّ الناس في الصلاة وأخطأ فيها ولم يدر كيف يعالج خطأه ، مما ترتب عليه إبطال الصلاة !
فالواجب على الأئمة أن يلزموا مساجدهم ، ويؤدوا الواجب عليهم من إمامة الناس وتعليمهم وإرشادهم ووعظهم .
ثانيا :
أما طلب العلم من هذا الشيخ ، فما دام عنده علم تنتفع به فلا حرج عليك من التعلم منه ، وقد يكون متأولا لما يفعله ، ويرى جوازه ، فأمره إلى الله تعالى ، فخذ منه العلم واترك ما ترى أنه أخطأ فيه.
وقد تكلم أهل العلم عن حكم أخذ العلم عن أهل البدع ، وأجازوا ذلك في بعض الحالات التي تغلب فيها المصلحة على المفسدة . وينظر في ذلك جواب السؤال رقم : (223300) .
والشيخ المسئول عنه حاله أهون من أهل البدع ، لأن غاية ما يفعله معصية لله تعالى ، وليست بدعة ، وقد يكون متأولا فيها .
وإن وجدت غيره من أهل الاستقامة ، وحصلت عنده ما تحتاجه من علم ذلك المتهاون : فلا شك أنه تركه إلى من هو أفضل منه : خير لك ، وقد يتعين إذا كان في تركه زجر له عن منكره ، وعلم أن الناس إنما تركوه لأجل ما يتهاون فيه .
أما ترك ما عنده من الخير ، وعدم تحصيله من غيره : فلا شك أنه قصور، وتقصير ، وباب حرمان.
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ:
إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَكَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، تَغْضَبُ عَلَيْهِمْ ؟! يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبُوا وَيَتْرُكُوكَ !!
قَالَ: " هُمْ حَمْقَى إِذَنْ مِثْلُكَ ؛ أَنْ يَتْرُكُوا مَا يَنْفَعُهُمْ ، لِسُوءِ خُلُقِي" .
رواه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه" (158) ، وعنه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (423).
والله أعلم .