تفسير قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)

07-11-2022

السؤال 333950

ما هو تفسير الآيه:(وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلىٰ عٰلِمِ الغَيبِ وَالشَّهٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)التوبة/105؟ ولقد سمعت بعض رجال الدين يفسرون هذه الآية على أن المخاطب بها هم المنافقون، فهل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله.

اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة /105.

1- فذهب بعضهم إلى أنه وعيد من الله تعالى للمنافقين، والمعنى: "وَقُلْ لهؤلاء المنافقين: اعْمَلُوا ما ترون من الأعمال، واستمروا على باطلكم، فلا تحسبوا أن ذلك، سيخفى.

فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أي: لا بد أن يتبين عملكم ويتضح، وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير وشر.

ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه وغيه وعصيانه".

انظر: "تفسير السعدي" (351).

والخطاب بمثل ذلك المعنى، قد سبق صريحا للمنافقين، في نفس السورة الكريمة. قال الله عز وجل: ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التوبة/94.

قال ابن كثير، رحمه الله: " أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم، قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم أي: لن نصدقكم، قد نبأنا الله من أخباركم أي: قد أعلمنا الله أحوالكم، وسيرى الله عملكم ورسوله أي: سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ، أي: فيخبركم بأعمالكم، خيرها وشرها، ويجزيكم عليها.". انتهى، "تفسير ابن كثير" (4/201). وينظر: "تفسير الطبري" (14/424).

2- وذهب بعضهم إلى أنه خطاب للمؤمنين والمعنى: " (وَقُلِ) أي لأهل التوبة والتزكية، والصلاة، لا تكتفوا بها بل (اعْمَلُوا) جميع ما تؤمرون به (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) أي فيزيدكم قربًا على قرب (وَرَسُولُهُ) فيزيدكم صلوات (وَالْمُؤْمِنُونَ) فيتبعونكم، فيحصل لكم أجرهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء".

انظر: "القاسمي" (5/497).

وقال القرطبي (8/252): " (وقل اعملوا) خطاب للجميع." انتهى.

وعلى كل الأقوال؛ فهذا حث من الله سبحانه أن يعمل الإنسان صالحًا ، وأن يخلص لله في عمله ، كما قال غير واحد من العلماء "وَقُلِ يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم: اعملوا، أي: اعملوا بما يرضي الله، فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ، وسيراه رسوله والمؤمنون، في الدنيا، وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة، أي: تردون يوم القيامة، إلى الله الذي يعلم السر والعلانية، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، أي يخبركم بعملكم، ويجازيكم عليه جزاء المحسنين أو جزاء المسيء".

انظر : "الهداية" مكي بن أبي طالب(4/3147).

وقال "الرازي" (16/141): " اعلم أن هذا الكلام جامع للترغيب والترهيب ... ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم للمذنبين، فكأنه تعالى قال: اجتهدوا في المستقبل، فإن لعملكم في الدنيا حكمًا، وفي الآخرة حكمًا.

أما حكمه في الدنيا: فهو أنه يراه الله ويراه الرسول ويراه المسلمون، فإن كان طاعة حصل منه الثناء العظيم، والثواب العظيم في الدنيا والآخرة. وإن كان معصية حصل منه الذم العظيم في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة.

فثبت أن هذه اللفظة الواحدة جامعة لجميع ما يحتاج المرء إليه في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده." انتهى.

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب