سبب نزول سورة التحريم

07-11-2022

السؤال 334173

قرأت تفسير الجلالين وتفسير ابن كثير، وأرى أن هناك تفسيرين لسورة التحريم، الآية ١، تفسير واحد في كلّ تفسير بقصتين مختلفتين من السنّة، أيّ تفسير صحيح؟

ملخص الجواب:

اختلف العلماء في سبب نزول سورة التحريم على قولين: 1- القول الأول أن قضية العسل هي سبب النزول، 2- القول الثاني أن سبب النزول كان تحريمه للجارية وليس العسل.

الجواب

الحمد لله.

اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية الكريمة على قولين:

جاء في تفسير ابن كثير" (8/ 158-162) في تأويل قوله تعالى:يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التحريم/ 1.

"اختلُف فِي سَبَبِ نُزُولِ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مَارِيَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَهَا، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ الْآيَةَ".

ثم قال: "وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي تَحْرِيمِهِ العَسَل، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فتواطأتُ أَنَا وحفصةُ عَلَى: أيتُنا دخلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ لَهُ: أكلتَ مَغَافير؟ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قَالَ: لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحش، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا، تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ.

وقال: "وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ فِيهِ أَنَّ حَفْصَةَ هِيَ السَّاقِيَةُ لِلْعَسَلِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ.

وَفِي طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ عَائِشَةَ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحش هِيَ الَّتِي سَقَتِ الْعَسَلَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ تَوَاطَأَتَا وَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ كونَهما سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وهذا القول : اختاره ابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، رحمهم الله.

روى ذلك النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له أَمةٌ يطؤها، فلِم تزل به عائشة وحفصة حتي حرمها فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ... أخرجه النسائي في "المجتبى" (3959)، وقال "الحافظ" في "فتح الباري" (9/376): "بسند صحيح".

جاء في "تفسير الجلالين" ما نصه: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ من أَمَتك مارية القبطية؛ لما واقعها في بيت حفصة ، وكانت غائبة، فجاءت، وشق عليها كون ذلك في بيتها، وعلى فراشها ، حيث قُلْتَ: هي حرام علي. تَبْتَغِي بتحريمها مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ؛ أي رضاهن وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ غفر لك هذا التحريم"، انتهى.

وهذا القول اختاره جمع من المحققين، منهم ابن عطية، ونصره القاسمي في تفسيره، "محاسن التأويل"، قال (9/268) : "والذي يظهر لي هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها وذلك لوجوه:

وأما تخريج رواية العسل في هذه الآية، وقول بعض السلف نزلت فيه، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها، على ما عُرف من عادة السلف في قولهم: نزلت في كذا كما نبهنا عليه مرارًا"، انتهى.

وبعض أهل العلم أطلق القولين، احتمالا، بلا تعيين الراجح منهما، لما يظهر من أن كلا منهما له احتمال في ظاهر اللفظ، وقد ورد من الراوية ما يشهد له ويؤيده. وما ذهب إليه الطبري والبغوي والسعدي .

وينظر في تحرير سبب النزول وأدلته: "المحرر في أسباب النزول" (2/ 1027-1038).

ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 364970، 269916، 300732، 392221.

 

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب