لدي سؤال بخصوص البقرة الصفراء التي ورد ذكرها في سورة البقرة، هل هذه البقرة التي لونها أصفر هي بقرة مميزة أوجدها الله تعالى في ذلك الوقت لحكمة معينة؟ أم هو نوع معروف من البقر، ويوجد بكثرة؛ لأني بحثت عن نوعها ولم أجده؟
الحمد لله.
أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل بذبح بقرة، بسبب تنازعهم في أمر قاتلٍ منهم قتل نفسًا ، واختلفوا فيمن قتله .
أولًا : قصة البقرة
عن عبد الله بن عباس - من طريق سعيد بن جُبَيْر - قال: "كانت مدينتان في بني إسرائيل إحداهما حصينة ولها أبواب، والأخرى خَرِبة، فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمْسَوا أغْلَقوا أبوابَها، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة، فنظروا هل حدث فيما حولها حادث، فأصبحوا يومًا فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخَربِة، فقالوا: قتلتم صاحبنا - وابنُ أخ له شاب يبكي عنده، ويقول: قتلتم عمي - وقالوا: واللهِ، ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها، وما نَدَيْنا من دم صاحبكم هذا بشيء - فأتوا موسى، فأوحى الله إلى موسى: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)، إلى قوله: (فذبحوها وما كادوا يفعلون)، قال: وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سِلْعَة له عنده، فأعطاه بها ثمنًا، فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب، والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت، فقال: أيقِظْه - قال ابنه: إنه نائم، وأنا أكره أن أُروِّعَه من نومه - فانصرفا، فأعطاه ضِعْف ما أعطاه على أن يوقظَه، فأبى، فذهب طالب السِّلْعَة، فاستيقظ الشيخ، فقال له ابنه: واللهِ، يا أبَه، لقد جاء ههنا رجل يطلب سِلْعَة كذا، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا، فكرهت أن أروِّعَك من نومك - فلامه الشيخ، فعَوَّضه الله من برِّه بوالده أن نُتِجَت من بقره، تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه، فقالوا له: بِعْناها - فقال: لا - قالوا: إذن نأخذها منك - فأتوا موسى، فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته - قالوا: حُكْمُك؟ قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان، وتضعوا ذهبًا صامتًا في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذتُه - ففعلوا، وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ، واجتمع أهل المدينتين، فذبحوها، فضُرب ببضعةٍ من لحمها القبر، فقام الشيخ ينفض رأسه، يقول: قتلني ابنُ أخي؛ طال عليه عُمُري، وأراد أخذ مالي - ومات".
انظر : "موسوعة التفسير المأثور"(2/ 35-39).
ثانيًا :
لمَّا تعنت بنو إسرائيل بطلب لون البقرة، قيل لهم (بقرة صفراء فاقعٌ لونها)، واختلف العلماء في معناه، والصحيح أن المراد: صفراء ناصعة ليس فيها لون آخر، تعجب هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها الناظر إليها.
انظر : "تفسير الطبري" (2/94).
ثالثًا :
يظهر من الآثار الواردة في تفسير الآيات أنها بقرة من بقر ذلك الزمان، تميزت بهذه الصفات التي ذكرها في القصة، وليست شيئًا خارقًا وجد في ذلك الزمان فقط . بل توجه الطلب عليهم أولا، بأن يذبحوا بقرة، ومهما ذبحوا من بقرة أجزأت عنهم؛ لكنهم تعنتوا في السؤال والتنقير، وشددوا، فشدد الله عليهم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال ابن جرير: عن ابن عباس، قال: (لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ).
إسناده صحيح، وقد رواه غير واحد عن ابن عباس. وكذا قال عبيدة، والسدي، ومجاهد، وعكرمة، وأبو العالية وغير واحد.
وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/ 298).
لكن يقال هنا للسائل:
أي نفع لك في دين أو دنيا، حتى تشغل بالك بالبحث عن "نوع" هذه البقرة، وهل هي موجودة اليوم، أو كانت بقرة معينة، أو بقرة من بقرة، أو بقرة خارقة ؟؟
ماذا ينفعك من ذلك كله؟ وما مضرة الجهل بمثل ذلك في دينك أو دنياك؟
إنما ينفعك أن تتدبر القصة، وتعلم موعظتها، وتعلم ما أصاب القوم من تشددهم، وتعنتهم في السؤال.
قال الإمام الطبري، رحمه الله في تعقيبه على خلاف المختلفين في "الثمن البخس" الذي بيع به يوسف عليه السلام:
" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه. والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه." انتهى من "تفسير الطبري" (15/15-16).
بل علق الإمام، شيخ المفسرين، ابن جرير الطبري، على اختلاف المختلفين في نفس قصة هذه البقرة، بأي جزء من أجزائها ضربوا القتيل، فقال:
" والصواب من القول في تأويل قوله عندنا: (فقلنا اضربوه ببعضها) ، أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب. ولا دلالة في الآية، ولا [في] خبر تقوم به حجة، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به. وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف، وغير ذلك من أبعاضها. ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله." انتهى من "تفسير الطبري" (2/231).
والله أعلم .