حديث: (مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ) هل يشمل من لم ينم؟ ومن استيقظ بمنبّه؟

09-03-2023

السؤال 356474

قرأت حديثا عن التعار من الليل، رواه البخاري, وغيره, ولفظه: (من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته). قرأت العديد من الفتاوى على موقعكم الكريم ومواقع فتاوى أخرى، لكنني لم اجد جوابا لسؤالي. سؤالي هو: في حالة الطالب الذي سهر بالليل، وهو يدرس، ولم ينم كل الليل، هل يصح له التعار بدون نوم واستيقاظ؟ أم أن الاستيقاظ في الليل يجب أن يكون فجأة بدون منبه ليصح شرط للتعار؟ ألا يجوز تثبيت المنبه للاستيقاظ في هذه الحالة؟ ينطبق الأمر على من سهر حتى الفجر مثلا؟ ألا يصح التعار لهما؟

ملخص الجواب:

الحديث ورد في فضل من استيقظ من نومه، فذكر الله تعالى، وأثنى عليه بما علمنا رسوله صلى الله عليه وسلم، وسواء كانت يقظته وانتباهه من تلقاء نفسه، أو بمنبه، أو بأمر آخر أيقظه؛ فلا فرق بين ذلك كله. والحديث لا يعم بلفظه من ظل ليله ساهرا، فلم ينم؛ ولو ذكر الله بهذا الذكر الوارد.

الجواب

الحمد لله.

عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ رواه البخاري (1154).

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" ( مَنْ تَعارّ مِنَ اللَّيْلِ ) أَيْ هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ، واستَيْقَظ " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (1 / 190).

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي، رحمه الله: " قوله: (من تعار من الليل) بتشديد الراء، أي: انتبه واستيقظ، وقيل: تقلَّب، وقيل: تمطّى، ويستعمل في انتباه معه صوت" انتهى، من "لمعات التنقيح" (3/326).

وقال القسطلاني: "(باب فضل من تعار) بفتح المثناة الفوقية والعين المهملة وبعد الألف راء مشددة، أي: انتبه مع صوت، من استغفار أو تسبيح أو نحوه.

وإنما استعمله هنا: دون الانتباه والاستيقاظ لزيادة معنى، وهو الأخبار: بأن من هب من نومه ذاكرًا الله تعالى مع الهبوب، فسأل الله تعالى خيرًا أعطاه. فقال: تعار، ليدل على المعنيين". انتهى، من "إرشاد الساري" (2/329).

فالحديث كما ترين قيَّد حصول هذا الثواب بهذا القيد: أن يستيقظ من نومه، والأصل في الكلام أن يعمل بالقيد الوارد فيه.

ولا يظهر صحة قياس مَنْ لم ينم على المستيقظ من نومه للفرقين التاليين :

الأول : لعل الحكمة من تقييده بالمستيقظ من النوم أنه في هذه الحال تغلب على الإنسان الغفلة؛ فلا يكاد يوفَّق إلى الذكر إلّا من تعوّد لسانه على ذكر الله تعالى وأصبح به رطبا.

قال ابن المَلَك الرومي الحنفي رحمه الله تعالى:

" يقال: " تعار من الليل " إذا استيقظ من نومه مع صوت، وهذه اليقظة تكون مع كلام غالبا، فأحبّ عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك الكلام تسبيحا وتهليلا، ولا يوجد ذلك إلا ممن استأنس بالذكر " انتهى من "شرح مصابيح السنة" (2 / 158).

الثاني : أن النائم يستيقظ وللشيطان أثر عليه؛ فيزيل هذا الأثر بهذا الذكر ، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ رواه البخاري (1142)، ومسلم (776).

ومن أقوال العلماء التي قد يستفاد منها أن هذا الفضل خاص بمن استيقظ من النوم ولا ينطبق على من لم ينم ، ما قاله النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار" (ص 90) ، قال :

"اعلم أن المستيقظ من النوم على ضربين : أحدهما من لا ينام بعده ، وقد قدمنا في أول الكتاب أذكاره ، والثاني : من يريد النوم بعده ، فهذا يستحب له أن يذكر الله تعالى إلى أن يغلبه النوم ، وجاء فيه أذكار كثيرة ، فمن ذلك : ... ثم ذكر حديث عبادة رضي الله عنه ..." انتهى .

فيستفاد من كلامه رحمه الله : أن من استيقظ من النوم وهو لا يريد أن ينام مرة أخرى ، أن هذا الحديث لا يشمله ، وإنما هو خاص بمن انتبه من نومه، وأراد أن ينام مرة أخرى ، فإذا كان الأمر كذلك ، فأولى أنَّ مَنْ لم ينم لا يشمله هذا الحديث .

الحديث قيّد هذا الذكر مع فضله وأجره بالمستيقظ بعد نوم؛ فيعم كل من وجدت فيه هذه الصفة -الاستيقاظ من النوم -، سواء استيقظ فجأة من غير منبّه، أو بمنبّه؛ لأنه لا يوجد دليل يخصّصه بالمستيقظ بدون منبّه.

وقد سبق تقرير ذلك ، مع بيان معنى الحديث أيضا في جواب السؤال رقم: (381928).

والحاصل:

أن الحديث المذكور وارد في فضل من استيقظ من نومه، فذكر الله تعالى، وأثنى عليه بما علمنا رسوله صلى الله عليه وسلم. وسواء كانت يقظته وانتباهه من تلقاء نفسه، أو بمنبه، أو بأمر آخر أيقظه؛ فلا فرق بين ذلك كله.

ولا يظهر أن الحديث يعم بلفظه من ظل ليله ساهرا، فلم ينم؛ ولو ذكر الله بهذا الذكر الوارد.

غير أن فضل الله واسع، وإجابة الدعاء، وقبول الصلاة ليست وقفا على هذا الذكر وحده.

والله أعلم.

شروح الأحاديث
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب