هل يقبل تراجع الزوج عن الطلاق المعلق أو تخصيصه بالنية؟

19-12-2023

السؤال 363652

قال لها زوجها: أنّها إذا تحدثت عن ماضيها إنها تَطلق تلقائيًا عندما تتكلّم عن ذلك، وقال أيضا: إنها كلما تحدثت عن ماضيها تطلق مرّة واحدة، وإذا تحدثت عنه للمرة الثانية، فإنها تكون مطلّقة للمرّة الثانية، وإذا تحدثت عنه للمرة الثالثة فإنها تطلق للمرة الثالثة، كلاهما لم يكن يعرف عن الطلاق المشروط والمعلق، أخذت إذن زوجها وتحدثت معه عدة مرات عن ماضيها، بعد أن علمت بالطلاق المشروط/المعلق سألت زوجها عن ذلك، قال لها زوجها: إنه وضع الشّرط على أشياء معينة من الماضي، وليس كل الأشياء، أخبرها أنه بقوله "أنت مطلقة عندما تتحدثي عن ماضيك" كان يعني أشياء معينة من الماضي، وليس كلّ شيء، قال لها زوجها: إنها لم تنقض الشرط؛ لأنها لم تتحدث عما كان يقصده في الماضي، فهل يمكن أن تثق بزوجها؟ وهل وقع الطلاق المشروط؟ مع العم إنهما لم يتمّا الزواج، أي البناء.

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

إذا علق الزوج حصول الطلاق على شرط ، ولم يوجد الشرط فلا يقع الطلاق .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"إذا أوقع الطلاق في زمن، أو علقه بصفة : تعلَّق بها ، ولم يقع ، حتى تأتي الصفة والزمن ، وهذا قول ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد والنخعي وأبي هاشم (هو يحيى بن دينار) والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي" انتهى من "المغني" (10/410) .

ثانيًا :

إذا أتى الزوج المطلِّق بلفظ عام، وقال: أردت به الخصوص؛ قُبل ذلك منه ، لأن اللفظ العام يستعمل للدلالة على الخاص كثيرا ؛ و‌النية ‌تخصص ‌العام، وتقيد المطلق؛ كما قرره ابن القيم، رحمه الله، وغيره.

انظر: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم (2/803).

قال البهوتي رحمه الله :

"وإن استثنى بقلبه من عدد المطلقات بأن قال : نساؤه طوالق ؛ ونوى إلا فلانة : صح الاستثناء ، فلا تطلق، لأن قوله: نسائي طوالق؛ عام، يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له ، لأن استعمال اللفظ العام في المخصوص، سائغ في الكلام" انتهى من "الروض المربع" (6/531) .

وقال أيضا (6/574، 575):

"ومن قال لزوجته : إن بدأتك بكلام فأنت طالق ... فبدأته هي بالكلام ... انحلت يمينه ، لأنها كلمته أولا ، فلم يكن كلامه لها ابتداء ، ... ما لم ينو البداءة في مجلس آخر ، فإن نوى ذلك فعلى ما نوى" انتهى باختصار وتصرف .
 

وعلى هذا ، فما دام الزوج قد خصص الكلام بأشياء معينة من الماضي: فإن مصدق فيما يقوله عن نيته، ويقبل ذلك منه؛ ويكون الشرط خاصا بما نواه ، وقد ذكرت أن الزوجة لم تتحدث عن الأشياء التي نواها الزوج ، فلا يكون الطلاق واقعا .

ثالثا :

إذا علق الرجل طلاق امرأته على أمر معين، كما ذكر في السؤال، ونحوه: فإنه لا يملك أن يتراجع عن تعليقه ذلك، ولا أن يأذن لها في ذلك الفعل؛ بل متى فعلته، فقد حنث في يمينه.

قال البهوتي، رحمه الله: " (وليس له) أي: للمعلِّق طلاقًا ‌بشرطٍ (‌إبطالُه) أي: التعليق؛ لأن إبطاله رفعٌ له، وما وقع لا يرتفع (فإذا وُجِدَت) الصفة المعلَّق عليها الطلاق، وهي المعبَّر عنها بالشرط (طَلَقت) لوجود الصفة، وإن لم توجد لم تطلق". انتهى، من "كشاف القناع" (12/297).

وينظر: جواب السؤال رقم: (105438).

رابعا:

إن حدث وتحدثت الزوجة عما نواه الزوج من ماضيها: فإن أكثر العلماء يرون وقوع الطلاق بذلك ، ويتكرر وقوع الطلاق كلما تكرر كلامها ،لأن الزوج أتى بلفظ  "كلما" وهو يفيد التكرار.

لكن إن كان ذلك قبل البناء؛ فإنها تبين منه بطلقة واحدة، ولا يقع عليها طلاقه بعد ذلك.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطلاق المعلق: يقع إن قصد الزوج إيقاعه عند حصول الشرط .

وأما إن قصد منع زوجته من الحديث في هذا الكلام المعين: فإن حكمه حكم اليمين ، فلا يقع به الطلاق ، ولكن فيه كفارة يمين على الزوج إن خالفته زوجته .

وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (229507) .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، عن امرأة تزور أهلها كثيرا، فقال لها: إذا ذهبت مرة أخرى لأهلك فهو طلاقك، قال: فأخذت تبكي وترجوني أن أعدل عن ذلك، فأشفقت عليها وحاولت إيجاد تفسير لكلامي ذلك، فقلت إذا ذهبت إلى أهلك بدون إذني: فهو طلاقك، وإني الآن آذن لك بالذهاب.

قال: ولكني أجد في نفسي شيئاً من ذلك لأني لم أسأل أي عالم عن ذلك بل استمرت حياتنا الزوجية على ما كانت عليه ... "

فأجاب رحمه الله تعالى:

" قبل الجواب على هذا السؤال: أحب أن أنصح، وما أكثر ما يوجب النصح من أفعال بعض المسلمين؛ أحب أن أقول:

أن أي عمل يقدم عليه الإنسان وهو لا يدري عن حكم الله فيه، فإنه على خطر فيه، والواجب على المؤمن إذا أراد أن يعمل عملا، سواء كان عبادة أو معاملة، ألا يقدم على الشيء حتى يتبين له حكم الله فيه، ليكون على بصيرة من أمره، لا سيما في مثل هذه الأمور الخطرة، أمور النكاح والطلاق.

وكون الإنسان لا يتفطن للشيء إلا بعد أن يصاب بأمر يفسره بأنه بسبب مخالفته، هذا أمر لا يليق بالمؤمن ولا ينبغي للحازم. فكان على هذا الأخ حين وقع منه ما وقع أن يسأل قبل أن يفسر الأمر بنفسه تفسيرا صادرا عن جهل. وأسأل الله أن يتوب علينا وعليه.

أما بالنسبة لجواب سؤاله الخاص، فإني أقول:

إذا كان هذا الرجل يريد بقوله لزوجته: (إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك): يريد بذلك تهديدها ومنعها من الذهاب إلى أهلها؛ فإن هذا يعتبر في حكم اليمين، وله أن يعدل عنه ويكفر كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة من المساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وأما إذا كان قصده بقوله: (إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك): قصده الطلاق؛ بحيث يشعر بنفسه أنها إذا عصت وخالفت، فإنه لا يرغب أن تبقى زوجة له؛ فإن مثل هذا يقع به الطلاق إذا خرجت إلى أهلها.

ولا يمكنه العدول عن هذا التعليق؛ لا يمكنه أن يزيد شرطا فيه، أو أن يلغيه بالكلية، فيقول قوله الأخير: إن ذهبت إلى أهلك بغير إذني فهو طلاقك؛ غير معتبر؛ لأنه بالتعليق الأول ثبت الحكم، وهو الطلاق المعلق على هذا الفعل، فلا يمكن أن يزاد فيه أو ينقص منه أو يلغى بكلية. وعلى هذا؛ فإنها إذا ذهبت إلى أهلها تكون طالقا بذهابها إلى أهلها، وإذا كان الطلاق رجعيا فإن له أن يراجعها ما دامت في العدة.

نعم؛ لو كان قد قصد من الأول : ( إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك ؛ بغير إذن مني )؛ فإن ‌النية ‌تخصص ‌العام، ويكون ذلك تخصيصا، فإذا خرجت بإذنه فلا حرج عليهما" انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (21/ 2 بترقيم الشاملة آليا).

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب