عملية التحلل؛ وهي عملية مهمة لإعادة تدوير المادة، فالإنسان والحيوان والنبات يموتون فتتحلل، وتتحول إلى نباتات وأعشاب يأكلها الدواب مرة أخرى، ثم تنفق، فتتحلل فتتحول إلى نباتات، وهكذا، علماً أنه تم اكتشاف تلك العملية سنة 1920م، فهل هذا هو ما ذكر في القرآن الكريم في أكثر من سورة، كقوله تعالى : (يبدأ الخلق ثم يعيده) يونس/4، يونس/34، النمل/64، الروم/11، الروم/27؟
الحمد لله.
قوله تعالى:إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ يونس/ 4، وما شابهها من الآيات التي احتوت قوله تعالى (يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ).
المقصود بالبدأ هنا : يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده .
والمقصود بالإعادة : ثم يعيده فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه، بعد فنائه وبَلائِه .
قال الله تعالى :وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 27] قال الإمام الطبري: "يقول تعالى ذكره: والذي له هذه الصفات تبارك وتعالى، هو الذي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه" انتهى من"تفسير الطبري"(18/485).
وبتأمل هذه الآيات الكريمة يتبين أنه لا علاقة لها بمسألة التحلل المشار إليها في السؤال ، لأنه الله تعالى أنكر على المشركين إنكارهم البعث ، وبين لهم سبحانه أن إعادة الخلق بعد الموت أهون عليه من البدأ .
قال تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )، قال ابن كثير: " أي: من بدأ خلق هذه السموات والأرض ثم ينشئ ما فيهما من الخلائق، ويفرق أجرام السموات والأرض ويبدلهما بفناء ما فيهما، ثم يعيد الخلق خلقًا جديدًا؟ قل الله هو الذي يفعل هذا ويستقل به، وحده لا شريك له، فأنى تؤفكون أي: فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل؟!"، انتهى من"تفسير ابن كثير"(4/267).
قال "ابن تيمية" : "والمعاد سُمي معادًا لأن الله يعيد الخلق فيه بالنشأة الثانية، كما قال: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وقال:
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ، وقال: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُون).
وأيضًا فإنهم يعودون إلى ربهم، كما يقال: إنهم يرجعون إليه ويُردون إليه"، انتهى من "جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الأولى" (ص: 403).
والحاصل:
أن بدء الخلق المذكور في القرآن الكريم: هو خلق الله تعالى للخلائق ابتداء.
والإعادة: هي إعادة الخلق يوم القيامة، بعد فناء الدنيا، وزوالها، للحشر، والحساب.
ولا علاقة لهذه الآيات بعملية التحلل المذكورة، وليس القرآن الكريم كتابا في علم الأحياء، ولا علم الفلك .. ؛ بل هو كتاب هداية من الله تعالى لعباده، يهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
قال الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ المائدة/15-16.
وقال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الإسراء/9-10
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(284985)، ورقم:(127249).
والله أعلم