ما حكم من يكرر جريمة القتل؟ مثل أن يكون قتله الأول عمدًا، لكن تنازل أهل الدم كلهم ودفعت الدية، ومن ثم كرر القتل، فهل في الجريمة الثانية تنازل أم قود بلا تنازل ولا دية؟
الحمد لله.
من قتل مؤمنا عمدا، فلولي المقتول أن يقتص أو يعفو مجانا أو إلى الدية، كما قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ البقرة/178.
فإن عاد فله عذاب أليم كما في الآية، والمراد به عذاب الآخرة، وهذا قول الجمهور.
وذهب قتادة وعكرمة والسدي إلى أنه إن عاد المعفو عنه إلى القتل مرة أخرى: فلا بد من قتله.
والآية تحتمل أن يكون الكلام فيها على القاتل إن اعتدى وكرر القتل، أو ولي المقتول إن عفى ثم قتل.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (2/ 255): " واختلف العلماء فيمن قتل بعد أخذ الدية، فقال جماعة من العلماء منهم مالك والشافعي: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة.
وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم: عذابه أن يقتل ألبتة، ولا يُمَكِّن الحاكمُ الوليَّ من العفو...
وقال الحسن: عذابه: أن تُرد الدية فقط، ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة.
وقال عمر بن عبد العزيز: أمره إلى الإمام، يصنع فيه ما يرى"انتهى.
وللحاكم أن يأخذ برأي عمر بن عبد العزيز، فيجتهد في أمر هذا القاتل.
قال ابن عاشور رحمه الله "التحرير والتنوير"(2/ 144): "والذي يستخلص من أقوالهم هنا، سواء كان العذاب عذاب الآخرة أو عذاب الدنيا: أن تكرر الجناية يوجب التغليظ، وهو ظاهر من مقاصد الشارع؛ لأن الجناية قد تصير له دُربة، فعوده إلى قتل النفس يؤذن باستخفافه بالأنفس، فيجب أن يُراح منه الناس، وإلى هذا نظر قتادة ومن معه، غير أن هذا لا يمنع حكم العفو إن رضي به الولي، لأن الحق حقه، وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز بتفويضه إلى الإمام لينظر هل صار هذا القاتل مزهق أنفس، وينبغي إن عفي عنه، أن تشدد عليه العقوبة أكثر من ضرب مائة وحبس عام، وإن لم يقولوه؛ لأن ذكر الله هذا الحكم بعد ذكر الرحمة: دليل على أن هذا الجاني غير جدير في هاته المرة بمزيد الرحمة، وهذا موضع نظر من الفقه دقيق" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومنها: أن المعتدي بعد انتهاء القصاص، أو أخذ الدية متوعد بالعذاب الأليم، سواء كان من أولياء المقتول، أو من القاتل؛ لقوله تعالى: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (2/ 303).
والحاصل: أن مذهب الجمهور: أن القاتل إن تكرر منه القتل فهو كغيره، يُخير فيه ولي الدم بين القصاص، والعفو مجانا، أو إلى الدية.
وهناك من ذهب إلى تحتم قتله، ومن ذهب إلى أن ذلك مفوض إلى نظر الإمام.
وينظر فيما جاء في التعزير بالقتل: جواب السؤال رقم:(138334).
والله أعلم.