ما حكم الدين في زوجة توفت وزوجها علي قيد الحياة، ولها اثنان من الأبناء الذكور، وفي حياة الزوجة ورثت من أبيها مبلغا من المال، وأعطت هذا المبلغ لزوجها لمساعدته في بناء البيت، وطلبت من زوجها أن يكتب لها نصف البيت نظيرا للمال الذي أعطته لزوجها، ولكن رفض الزوج، وحدثت خلافات كبيرة بينهم، وتدخل الابن الأكبر لحل المشكلة، وقال لها: يا أمي لا تقلقي إن والدي أمين، وحقك عندي، وسكتت الزوجة بعدما قال لها ابنها ذلك، ولم تطلب أي شيء بعد ذلك، ومع العلم بأن المبلغ الذي طلبته الزوجة لا يساوي نصف البيت، ولكن ساهمت الزوجة أيضا منذ بداية حياتهم الزوجية في أساس رأس مال زوجها، حيث أعطت الزوجة ذهبها لزوجها، وأخذه الزوج، وباعه، واشتري بيتا صغيرا بغرض التجارة، ثم باعه، واشترى أراضٍ زراعية، وباعها بغرض التجارة أيضا، حتي اشتري الأرض التي بنى عليها البيت التي تريد الزوجة أن يكتب لها نصفه، مع العلم إن ثمن الذهب لم يرده الزوج حتي الآن. السؤال هنا: توفت هذه الزوجة رحمه الله تعالى عليها منذ سنتين، والآن يريد زوجها أن يتزوج بأخرى، فما الحكم؟ وما حق الأبناء في ميراث والدتهم التي ساهمت به في بيت زوجها وذهبها الذي أعطته لزوجها، ويريد الأبناء أن يقدروا ذلك بشرع الله تعالى، ويأخذوا نصيب أمهم قبل أن يتزوج والدهم، فما الحكم في ذلك؟ وساهم الأبناء بمبلغ من أموالهم الشخصية في بناء البيت بالتساوي تقريبا، فهل لهم أن يطلبوا حقهم قبل زواج أبيهم أم لا؟
الحمد لله.
أولا:
نسأل الله أن يرحم المتوفاة ويغفر لها ويرفع درجتها في عليين.
وما أعطته لزوجها من ذهب أو مال –ولم تقصد به التبرع بل طالبت به في حياتها- فهو دين على زوجها.
فإذا ماتت، فلأولادها مطالبة أبيهم بهذا الدين.
ولا يلزم الأب أن يعطيهم جزءا من البيت مقابل الدين، لأن هذا بيع ولا يكون إلا بالتراضي، وقد أباه في حياتها.
وإنما يلزمه رد الذهب أخذه منها، ذهبا، ورد النقود التي أخذها.
ثانيا:
ما ساهم به الأبناء في بناء البيت فيه تفصيل:
1-فإن كانوا دفعوا المال لأبيهم صلة وبرا، دون مشاركته أو نية الرجوع عليه ومطالبته، فليس لهم مطالبته به الآن؛ لأن الرجوع في الهبة محرم.
2-وإن دفعوا المال على أن يكونوا شراء في المنزل، فهم شركاء بقدر ما دفعوا.
3-وإن دفعوا المال بنية أن يعودوا فيطالبوا به، فلهم ذلك، وأمر نيتهم إلى الله.
ويجب أن يراعي الأبناء حق أبيهم وبره، ولا يحملهم أمر زواجه على التعنت معه في المطالبة، وزواج الوالد حاجة طبيعية وشرعية، وليس ذلك مما يضرهم، أو يمس أمر أمهم؛ خاصة وقد توفيت!!
وكيفما كان الأمر فالأب له حق عظيم، حتى منع بعض الفقهاء من مطالبة الابن لأبيه بالدين.
قال ابن قدامة - رحمه الله -: " وليس للولد مطالبة أبيه بدين عليه، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: له ذلك؛ لأنه دين ثابت، فجازت المطالبة به، كغيره" انتهى من "المغني"(5/395).
وفي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4/79): " ولو استقرض الأب من ولده، فإن للولد مطالبته، عند غير الحنابلة، لأنه دين ثابت، فجازت المطالبة به كغيره، وقال الحنابلة: لا يطالب، لحديث (أنت ومالك لأبيك)" انتهى.
انظر تخريجه ومعناه في جواب السؤال رقم: (9594 ).
وقد ألَّف عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية الشيخ عبد الله بن محمد آل خنين حفظه الله رسالة في هذه المسألة أسماها" دعوى الولد على والده في الفقه الإسلامي "، وقد حرر فيها مذهب الحنابلة، وأثبت أن معنى عدم مطالبة الابن أباه في ديْنه: إنما هو منع التنفيذ عليه، لا مجرد المخاصمة، وإثبات حقه عند القاضي.
وقال: " ويظهر من مذهب الحنابلة جواز مخاصمة الولد أباه في الدين، وإثباته في ذمته" انتهى.
وقد ذكر حفظه الله مسألة حبس الوالد بديْن ولده، وذكر الخلاف فيها ثم ختمها بقوله: " والأظهر قول الجمهور، فلا يسجن والد - من أب أو أم - بدين ولد، لما استدلوا به " انتهى من " دعوى الولد على والده والتنفيذ عليه في الفقه الإسلامي " (ص 38 - 40)، " مجلة العدل "، العدد (31)، رجب 1427هـ.
والله أعلم.