الحمد لله.
روى الإمام أحمد (8393) وابن ماجه (3536) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ" وصححه الألباني.
والفأل: التفاؤل بالكلمة الحسنة يسمعها ونحو ذلك.
والطيرة: التشاؤم.
قال النفراوي رحمه الله: " وكان عليه السلام يحب الفأل الحسن، وهو ما ينشرح له صدره كالكلمة الطيبة، ففي الصحيح : (لا طيرة وخيرها الفأل)، قيل : يا رسول الله وما الفأل؟ قال: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)، وفي رواية: (ويعجبني الفأل)، وفي رواية: (وأحب الفأل الصالح).
مثاله : إذا خرج لسفر، أو إلى عيادة مريض، وسمع : يا سالم، يا غانم، أو يا عافية.
هذا إذا لم يقصده .
وأما إذا قصد سماع الفأل، ليعمل على ما يسمع من خير أو شر: فلا يجوز؛ لأنه من الأزلام المحرمة التي كانت تفعلها الجاهلية ...
فمن أراد أمرا، وسمع ما يسوء: لا يرجع عن أمره؛ وليقل : اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت , ولا يأتي بالشر أو لا يدفع الشر إلا أنت" انتهى من "الفواكه الدواني" (2/342).
ومن الفأل: لما جاء سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش، قال صلى الله عليه وسلم: (سهُل أمركم). وينظر: "زاد المعاد" (3/272).
ومن ذلك: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أرسل رُسُلا إلى قائد الفرس "يزدجرد"
"فقال يزدجرد: لو قتل أحدٌ الرسلَ قبلي، لقتلتكم.
ثم استدعى بوَقر من تراب، وحمل على أعظمهم، وقال: ارجعوا إلى صاحبكم، وأعلموه أني مرسل رستم حتى يدفنكم أجمعين في خندق القادسية، ثم يدوّخ بلادكم أعظم من تدويخ سابور.
فقام عاصم بن عمر فحمل التراب على عنقه، وقال: أنا أشرف هؤلاء.
ولما رجع إلى سعد فقال: أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم.
وعجب رستم من محاورتهم، وأخبر يزدجرد بما قاله عاصم بن عمر، فبعث في أثرهم إلى الحِيرة فأعجزوهم" انتهى من "تاريخ ابن خلدون" (2/ 528).
فلا حرج على الإنسان أن يتفاءل بالكلمة ونحوها، على الشرط المذكور: ألا يتعمد طلبها، والبحث عنها . وكل شيء بقضاء الله وقدره، فلا يقع إلا ما قدره.
وأما "تصديق الحيوانات، أو البشر، أو الظواهر الطبيعية، على نحو يظنّ المرء أنها علامة من الله": فالذي فهمناه أنه قد يرى الإنسان شيئا من ذلك، فيظن أنها رسالة، أو تنبيه له من الله؛ وهذا لا حرج فيه، بشرط ألا يبحث هو عنها، ولا يستعلمها عن شيء من ذلك، كما يفعله الكهان وأشباههم اليوم، وتنشره وسائل الإعلام الفاسدة.
ويشترط أيضا: عدم الجزم، بل يقول: لعل هذا تنبيه لي، أو لعله رسالة لي، كما لو رأى الإنسان الظالم حيوانا يظلم غيره، ثم رأى حلول العقوبة بالظالم، فيقول لعلها رسالة لي.
وكما لو خرج مهموما مغموما من بيته، فرأى مطرا أو منظرا مفرحا، فقال لعلها بشارة لي بالفرج، فهذا لا حرج فيه، وهو نوع من التفاؤل، أو الاتعاظ والاعتبار.
والله أعلم.