عندي مصدر دخل متوقف منذ أكثر من عام، وليس عندي مصدر دخل غيره، وأنا طبعا متضايق ومغتم بسبب ذلك جدا، وأنا من وقتها وأنا انفق من مالي المدخر، وهو طبعا في نقصان شديد، وعندي عقار آخر أيضا، المشكلة أنني مع هذا مسؤول عن أمي، وأنفق عليها، لكن في ظل توقف مصدر دخلي ونقصان مالي أصبح الأمر ثقيلا، الآن حان وقت إخراج زكاتي، هل يمكن دفعها لأمي؛ من أجل تخفيف الحمل قليلا ، علما أن لي أخا لا يعطيها شيئا، وتركها لي؟
الحمد لله.
أولا:
يلزم الولد-ذكرا أو أنثى- أن ينفق على والديه: إن كان غنيا، وكانوا فقراء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ رواه النسائي (2532) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل".
قال ابن المنذر رحمه الله: " أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال: واجبة في مال الولد " انتهى نقلا من "المغني" (8/ 169).
ويشترط لوجوب النفقة شرطان:
الأول: أن يكون الوالدان فقيرين لا مال لهما، ولا كسب يستغنيان به عن إنفاق غيرهما.
الثاني، أن يكون للولد ما ينفق عليهما، فاضلا عن نفقة نفسه ونفقة زوجته، إما من ماله، وإما من كسبه.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/238): " (مع فقر من تجب له، وعجزه عن تكسب) ; لأن النفقة إنما تجب على سبيل المواساة، والغني يملكها، والقادر بالتكسب مستغن عنها...
أن يفضل ما ينفقه عليهم عن حاجته، وإليه الإشارة بقوله: (إذا فضل عن قوت نفسه)؛ أي المنفق، (و) قوت (زوجته ورقيقه، يومَه وليلَته وكسوة، وسكنى) لهم، (من حاصلٍ) بيده (أو متحصَّل) من صناعة أو تجارة أو أجرة عقار أو ريع وقف ونحوه.
فإن لم يفضل عنده عمَّن ذكر شيئا، فلا شيء عليه؛ لحديث جابر مرفوعا " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته ". وفي لفظ: ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول " حديث صحيح.
ولأن وجوب النفقة على سبيل المواساة، وهي لا تجب مع الحاجة ...
(ومن قدر يكتسب)؛ بحيث يفضُل من كسبه ما ينفقه على قريبه: (أجبر) على تكسُّبٍ (لنفقة قريبه)؛ لأن تركه، مع قدرته عليه: تضييع لمن يعول؛ وهو منهي عنه" انتهى.
وحيث إن لك مالا فاضلا عن نفقتك، ونفقة زوجتك: فإنه تجب عليك نفقة والدتك، إذا لم يكن لها مال ولا كسب.
وليس هذا خاصا بك، بل نفقتها واجبة على جميع أولادها، ذكورا وإناثا، إذا كانوا قادرين.
وقد علمت مما سبق أنه يلزمك العمل والتكسب لتنفق عليها، لو فرض أنه لا مال لديك.
فإذا كان أخوك قادرا على النفقة على والدتك، اشتركتما في ذلك.
ثانيا:
إذا كانت النفقة واجبة عليك ، لم يجز احتسابها من الزكاة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/269): " ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين, ولا للولد . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين , في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته , وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه .
وكذلك لا يعطيها لولده . قال الإمام أحمد : لا يعطي الوالدين من الزكاة , ولا الولد ولا ولد الولد , ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت " انتهى بتصرف.
واعلم أن بر الوالدة والإحسان إليها من أسباب البركة وسعة الرزق، فلا تأسف على ما تنفقه على والدتك؛ فلعلك ترزق بسببها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ رواه البخاري (5986)، ومسلم (2557).
والله أعلم.