الحمد لله.
أولا:
سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري (4474)، فينبغي للمسلم أن يكثر من قراءتها، وتدبرها، والعمل بما دلت عليه.
ولكن هذا لا يعني أن نشرع شيئا بسورة الفاتحة لم يرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لم يترك خيرا إلا دلنا عليه.
ومبنى العبادات على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يشرع عبادة للناس لم يشرعها الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟! وما لم يثبت من العادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور؟!
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى. وإلا دخلنا في معنى قوله: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ )، والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا )... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29 / 16-17).
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر كل جمعة: (وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه مسلم (867)، وذلك حتى يقرر في نفوس المسلمين هذا الأصل، وأنه لا يجوز لأحد إحداث عبادة في الإسلام، مهما رآها حسنة.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (130329)، (128239)، (76413) فتاوى العلماء في بدعية قراءة الفاتحة عند الخِطبة أو عند المشاركة في الأمور التجارية ونحو ذلك، وأن المشروع هو قراءة خطبة الحاجة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعدل الناس عن السنة، وأقبلوا على البدعة !
والذي ينبغي هو إرشاد الناس إلى العمل بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من الأقوال والأفعال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ
والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به... وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية
الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة ، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/510-511).
ثانيا:
أما الفتوى المذكورة فهي اجتهاد من قائلها، وقد ذكر فيها: "فقد جرى عمل السلف الصالح على قراءة الفاتحة ... ثم ذكر ما روي عن عطاء".
وهذا الكلام عليه مؤاخذات:
فـ "محمد بن حميد" قال فيه البخاري : فيه نظر ، وقال أبو زرعة : كان يتعمد الكذب ، وقال أبو حاتم : هذا كذاب لا يحسن الكذب! يعني بذلك: أنه يكذب كذبا مكشوفا يعرفه أهل العلم! وقال النسائي: ليس بشيء، وقال أيضا: كذاب. ينظر : "تهذيب التهذيب" رقم (6873).
و"طلحة بن عمرو" قال عنه الإمام أحمد: لا شيء، متروك الحديث، وقال البخاري: ليس بشيء ، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب! . ينظر : "تهذيب التهذيب"(3516).
وعلى هذا، فلا يجوز نسبة هذا الكلام إلى عطاء رحمه الله، فضلا عن نسبته إلى السلف الصالح، وأنه جرى عملهم عليه.
والله أعلم