يقول الله سبحانه وتعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا)، فكيف نقارن بين هذه الآية، وحديث نفسي جهنم؟ وهل يعذب أقوام في النار بالبرد الشديد أو مايسمى بالزمهرير، وإذا كان يوجد عذاب في جهنم بالزمهرير فماذا تعني الآية الكريمة؟
الحمد لله.
أولًا:
قال تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا النبأ/21-26.
في هذه الآية، يخبر الله تبارك وتعالى عن حال أهل النار - نعوذ بالله منها -، وأنها أعدت لأهل الطغيان، وأنهم يمكثون فيها أبدًا، وأخبر سبحانه أنهم لا يذوقون فيها بردًا ينفعهم من حرها، ولا شرابًا يطفئ ما بهم من عطش.
قال مقاتل: "لا يذوقون في جهنم بردًا ينفعهم من حرها، ولا شرابًا ينفعهم من عطشها"، انتهى.
"التفسير البسيط" (23/131).
فالمراد بالآية الكريمة: "أنهم لا يذوقون مع شدة الحر ما يكون فيه راحة؛ من ريح باردة، أو ظل يمنع من نار، ولا يجدون شرابًا يُسكِّن عطشهم، ويزيل الحُرقة عن بواطنهم، والحاصل أنهم لا يجدون هواءً باردًا"، انتهى من "تفسير الرازي" (31/ 16).
ثانيًا:
روى البخاري (536، 537)، ومسلم (617) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير.
في هذا الحديث أن من ألوان العذاب في النار، أعاذنا الله منها: شدة البرد، وهو الزمهرير.
قال ابن هبيرة: "في هذا الحديث من الفقه أن في النار عذابًا من حر وبرد، فإنه قال: إن شدة ما ترون من الحر، وشدة ما ترون من الزمهرير يعني أن ذينك من جهنم.
وقوله: (فأذن لها في كل عام بنفسين): يدلك على أنها خلق من خلق الله عز وجل موجودة، وأن العذاب جمع كله فيها؛ حتى إنه لو لم يؤذن لها في النفسين لما رأينا في هذه الدنيا حرًا ولا بردًا، فإذن يشير هذا الحديث إلى أن العذاب كله مجموع فيها؛ لأنها دار سخط الله عز وجل، فليس نوع من أنواع العذاب إلا وهي مشتملة عليه، وإنها تزدحم الشرر فيها حتى يأكل بعضها بعضًا، وهذا يدل على أنها قد تأكل ما يلقى فيها، ثم يعودوا"، انتهى، "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 168).
وقال الطيبي: "وتحقيقه: أن أحوال هذا العالم عكس أمور ذاك العالم وآثارها، فكما جعل مستطابات الأشياء، وما يستلذ به الإنسان في الدنيا: أشباه نعمى الجنان، وهو من جنس ما أعد لهم فيها؛ ليكونوا أميل إليها وأرغب فيها، ويشهد لذلك قوله تعالي: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل = كذا جعل الشدائد المؤلمة، والأشياء المؤذية: أنموذجًا لأحوال الجحيم، وما يعذب بها الكفرة العصاة، ليزيد خوفهم وانزجارهم عما يوصلهم إليها؛ فما يوجد من السَّموم فمن حرها، وما يوجد من الصراصر المُجمِّدة فمن زمهريرها، وهو طبقة من طبقات الجحيم"، انتهى.
"شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن" (3/ 883 - 884).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن بعض الناس استشكل هذا الحديث، فقال: "والمراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار؟
ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار: محلها؛ وفيها طبقة زمهريرية"، انتهى.
"فتح الباري" لابن حجر: (2/19).
فالحاصل: أن البرد المنفي عن أهل النار، هو ما يكون لهم فيه راحة أو نعيم، والزمهرير الذي هو لون من عذابهم هو شدة البرد الذي يعذب أهله به من شدته، نعوذ بالله من النار وأهلها؛ ولا راحة لهم فيه مما يعانون من الحر والسَّموم!!
وانظر للفائدة الجواب رقم: (128705).
والله أعلم.