الحمد لله.
أولا:
المتفق عليه بين أهل العلم أن الأخبار إنما تصح إذا صحت أسانيدها، بأن تكون متصلة من رواية الثقات العدول الضابطين لمروياتهم.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" فالصحيح المجمع عليه:
ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين، من غير شذوذ ولا علة" انتهى من "المقنع" (1/42).
فإذا كان الخبر بلا إسناد، أو تفرد بذكره من ليس بثقة في الرواية، فمثل هذا الخبر يطرح ولا يلتفت إليه.
على أننا ننبه أيضا إلى أن نقل التواريخ يتساهل فيه ما لا يتساهل في نقل السنة والآثار، وعامة أهل العلم على التسهيل في ذلك الباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" وقال الإمام أحمد : ثلاثة علوم ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير .
وفي لفظ : ليس لها أسانيد .
ومعنى ذلك : أن الغالب عليها : أنها مرسلة ، ومنقطعة .
فإذا كان الشيء مشهورا عند أهل الفن ، قد تعددت طرقه : فهذا مما يَرجع إليه أهل العلم ؛ بخلاف غيره". انتهى، من "الرد على البكري" (1/76).
وينظر جواب السؤال رقم: (283378)، ورقم: (302074).
ثانيا:
ما يذكر من قصص خولة بنت الأزور، فهذه الأخبار لم ترد بأسانيد معتمدة، وإنما غاية ما فيها أنها وردت في كتاب منسوب إلى عالم بالأخبار وهو الواقدي، والواقدي رغم شهرته بالأخبار والتواريخ إلا أن مروياته يستأنس بها إذا ما وجد ما يعضدها، لكنه هو نفسه ليس بحجة.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" الواقدي رحمه الله ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة " انتهى من "المجموع" (1/114).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" جمع فأوعى وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم...
وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات، والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج...
لا عبرة بتوثيق من وثقه إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله" انتهى من "سير اعلام النبلاء" (9/ 454 – 469).
ومع أن أبواب المغازي والسير والتواريخ، مما احتاج الناس فيه إلى الواقدي، واعتمدوا نقله ورايته ، وأكثروا من التعويل عليه فيها؛ إلا أن هذا الكتاب الذي ذكرت فيه هذه القصص "فتوح الشام" لم تصح نسبته إلى الواقدي، كما سبق بسط هذا في جواب السؤال رقم: (275833).
ومما يؤيد أن هذه القصة لم ينقلها الواقدي، هو أن تلميذه وكاتبه والمكثر من الرواية عنه، ابن سعد قد ترجم لضرار بن الأزور، ولم يشر قط إلى وجود أخت له، فلو كانت قصصها عند الواقدي لأشار إليها، بل نقل عن الواقدي أنه صححّ القول بموت ضرار قبل اليرموك أثناء حروب الردة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، والقصص المزعومة عن خولة تدور حول بحثها عن أخيها في حرب الروم في عهد عمر رضي الله عنه.
قال ابن سعد رحمه الله تعالى:
" ضرار بن الأزور، واسم الأزور مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك ابن مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ بن خزيمة. وكان فارسا وأسلم. وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث اللقوح: (دع داعي اللبن).
وقاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعا، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل، وتطؤه الخيل، حتى غلبه الموت.
قَالَ: قَالَ محمد بن عمر. قَالَ عبد الله بن جعفر: مكث ضرار بن الأزور باليمامة مجروحا قبل أن يرحل خالد بن الوليد بيوم، فمات. وقد كان قَالَ قصيدته التي على الميم.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا من غيره" انتهى من "الطبقات الكبرى" (6/ 112- 113).
فالحاصل؛ أن قصص خولة بنت الأزور لم تصح من وجه، ولم نقف عليها في مصدر معتمد وثيق، وهي أشبه بالأساطير.
والله أعلم.