الحمد لله.
الآية القرآنية الكريمة تتحدث عن العسل الذي يتغذى نحله على ثمرات النباتات والأشجار، ولا تتحدث عن النحل الذي يتغذى على شراب السكر؛ وهذا يظهر من أمرين:
الأمر الأول:
سياق الآية الذي ورد فيها النص على أن عسل النحل فيه شفاء.
قال الله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/68–69.
والآية ينبغي فهمها على وفق سياقها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" السياق يرشدُ إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالَّة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته. فانظر إلى قوله تعالى: ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )، كيف تجدُ سياقَه يدُلُّ على أنه الذليلُ الحقير " انتهى من "بدائع الفوائد" (4/1315).
الأمر الثاني:
أن نصوص الوحي تُفهم عباراتها على وفق العرف السائد زمن نزول الوحي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعادتهم في الكلام، وإلا حرّف الكلم عن مواضعه، فإن كثيرا من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو رسوله أو الصحابة فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/243).
وفي زمن نزول الوحي لم تكن العرب تعرف من العسل الذي تتداوى به إلا هذا العسل الذي يسمى بـ "الطبيعي".
فالحاصل؛ أن وجود نحل ينتج عسلا لا يصلح للتداوي به، لا يؤثر في معنى الآية؛ لأن الآية تتناول عسلا مخصوصا، وهو الذي تغذت نحله على ثمرات الأرض، ومن المعلوم أن جودة العسل تختلف باختلاف نوع الغذاء الذي يتغذى عليه النحل.
والله أعلم.