هل صح عن ابن مسعود: ( إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي بِالْجَبَلِ: هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ ذَاكِرٍ لِلَّهِ )؟

29-12-2022

السؤال 403526

قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إن الجبل لينادي الجبل باسمه: أمر بك اليوم أحد يذكر الله عز وجل، فإذا قال: نعم استبشر"، سؤالي هو: ما صحة هذا الأثر؟ وكيف يتكلم الجبل مع العلم أنه جماد، وليس كائنا حيا؟

ملخص الجواب:

خبر ( إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي بِالْجَبَلِ: هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ ذَاكِرٍ لِلَّهِ ) في ثبوته عن ابن مسعود نظر، وتردد؛ لما تم بيانه في الجواب المطول من الاختلاف في روايته وإسناده، فلينظر للأهمية .

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر وقع اضطراب في اسناده:

فرواه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (ص112)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/73): عن مِسْعَر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "إِنَّ الْجَبَلَ يَقُولُ لِلْجَبَلِ: يَا فُلَانُ، هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ ذَاكِرٌ لِلَّهِ تَعَالَى؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، سُرَّ بِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا)، قَالَ: أَفَتَرَاهُنَّ يَسْمَعْنَ الزُّورَ، وَلَا يَسْمَعْنَ الْخَيْرَ؟".

وفي سنده عبد الله بن واصل، مجهول الحال، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (5/219)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/192)، وسكتا عنه.

وقد روي عن مسعر عن عون بدون واسطة، رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/107)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي الْجَبَلَ بِاسْمِهِ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ أَحَدٌ ذَكَرَ اللهَ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، اسْتَبْشَر"، قَالَ عَوْنٌ: " فَيَسْتَمِعْنَ الشَّرَّ وَلَا يَسْتَمِعْنَ الْخَيْرَ؟ هُنَّ لِلْخَيْرِ أَسْمَعُ، وَقَرَأَ: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا).

هذا إسناد رواته ثقات.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح " انتهى من "مجمع الفوائد" (10 / 79).

ومن نفس الطريق رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/175)، وكذا قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (2/182).

ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (19/346)؛ عن عِيسَى بْن يُونُسَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي بِالْجَبَلِ: هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ ذَاكِرٍ لِلَّهِ".

لكن عون لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه، فهو إسناد منقطع.

قال أبو زرعة العراقي رحمه الله تعالى:

" عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عم أبيه عبد الله بن مسعود وهو مرسل.

قاله الترمذي والدارقطني، وذلك واضح " انتهى من "تحفة التحصيل" (ص251).

لكن رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 72-73) بذكر الواسطة بين عون وابن مسعود، فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " إِنَّ الْجَبَلَ يُنَادِي الْجَبَلَ بِاسْمِهِ يَا فُلَانُ هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ لِلَّهِ ذَاكِرٌ؟ اسْتِبْشَارًا بِذِكْرِ اللهِ".

وروي موقوفا على عون من كلامه لا من كلام ابن مسعود.

فروى ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (17/266)، و أبو الشيخ في "العظمة" (5/ 1717) وغيرهما: عن سُفْيَان، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي الْجَبَلَ بِاسْمِهِ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ أَحَدٌ ذَكَرَ اللهَ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، اسْتَبْشَرَ...".

وإسناد ابن أبي حاتم ظاهره الصحة، حيث قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا مسعر، عن عون بن عبد الله، قَالَ: " إِنَّ الْجَبَلَ لَيُنَادِي الْجَبَلَ ...".

ومحمد بن عبد الله بن سويد المقبري: الظاهر أنه وقع في اسم جده ونسبه تصحيف، والصواب: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ المُقرِئ، وهو: ثقة.

فالحاصل؛ أن في ثبوت هذا الخبر عن ابن مسعود نظرا، وترددا؛ لما سبق من الاختلاف في روايته وإسناده.

ويكفي، في مثل ذلك المعنى: أن يثبت عن ابن عون، أو غيره من السلف.

وبكل حال: فإن تكلم الجبال بمثل هذا لا يستحيل، فقد ثبت تكلم الجبال، وإن كنا لا نفقه عنها، كما في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا  الأحزاب/72.

وقال الله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا الإسراء/44.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (27036). 

والله أعلم.

الأذكار الشرعية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب