في سنن الترمذي (705)، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ)، وقال: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَمُرَةَ. حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَتَّى يَكُونَ الْفَجْرُ الْأَحْمَرُ الْمُعْتَرِضُ. وَبِهِ يَقُولُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ". فهل المقصود الحمرة التي تسبق شروق الشمس أم البياض المعترض في الأفق أول صلاة الفجر؟
الحمد لله.
الحديث رواه الترمذي (705)، وأبو داود (2348) عن طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ وصححه الألباني.
ورواه أحمد (16291) عن طَلْقٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلَ فِي الْأُفُقِ ، وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ وحسنه محققو المسند.
والمراد بالحديث: بيان الفجر الكاذب والصادق، وأن الكاذب لا يمنع الأكل والشرب.
فالفجر الكاذب هو الساطع المُصْعِد، وهو المستطيل، والفجر الصادق هو المعترض الأحمر.
قال الخطابي في "معالم السنن" (2/105): " قوله (لا يهيدنكم) معناه : لا يمْنَعَنَّكم الأكل ، وأصل الهيد الزجر ... والساطع: المرتفع ، وسطوعها: ارتفاعها مصعداً قبل أن يعترض.
ومعنى الأحمر ههنا: أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة ، وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحُمْرة ، والعرب تُشَبِّه الصبح بالبلَق في الخيل، لما فيه من بياض وحمرة" انتهى.
وقال "عون المعبود" (6/339) بعد نقل كلام الخطابي: " قلت: وقد يطلق الأحمر على الأبيض.
قال في تاج العروس: الأحمر ما لونه الحمرة... والأحمر: الأبيض، ضد، وبه فسر بعض الحديث: (بعثت إلى الأحمر والأسود) والعرب تقول: امرأة حمراء، أي بيضاء انتهى.
فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يعترض لكم الأحمر) أي الأبيض، وهو بياض النهار من سواد الليل، يعني الصبح الصادق" انتهى.
فالفجر فجران: كاذب، وهو البياض المستطيل في السماء من أسفل الأفق إلى أعلى، كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة.
والفجر الصادق: البياض المعترض، أو المستطير الذي يمتد يمينا وشمالا، فيعترض في الأفق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفروق بينهما ثلاثة:
الفجر الكاذب يظلم الجو بعده، والصادق لا يزداد إلا إسفارا .
الفجر الكاذب يكون مستطيلا، والصادق يكون مستطيرا.
الفجر الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة، فهو كالعمود أبيض، لكن أسفله مظلم ، والصادق ليس بينه وبين الأفق ظلمة.
هذه الفروق ثلاثة فروق طبيعية تشاهد ، لكننا بواسطة الأنوار ما نشاهد ذلك، إنما لو كنت في بر، وليس حولك أنوار؛ عرفت الفرق" انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (7/337).
فقول الترمذي رحمه الله: " وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَتَّى يَكُونَ الفَجْرُ الأَحْمَرُ المُعْتَرِضُ، وَبِهِ يَقُولُ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ "
معناه: أن الأكل والشرب يحرُمان بظهور الفجر الصادق، وهو الفجر المعترض أو المستطير أو الأحمر أي الأبيض أو الذي فيه مبادئ الحمرة، وليس الحمرة التي تكون قبل طلوع الشمس.
وينظر جواب السؤال (93160)
والله أعلم.