ما الحالات التي يجوز فيها الانتقال من مذهب إلى مذهب؟

28-04-2023

السؤال 409938

أنا حنفي المذهب، وعند الحنفية يجب الوفاء بالمنذور في نذر اللجاج، فهل يجوز لي اتباع مذهب الحنابلة في هذه المسألة وأن أخرج كفارة يمين بدلا من فعل المنذور؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

نذر اللجاج والغضب هو الذي يخرج مخرج اليمين، بأن يقصد منه الناذر حثّ نفسه أو غيره على شيء، أو المنع من شيء، أو تصديق خبر أو تكذيبه.

وسبق بيان تفصيل الكلام حوله  في جواب السؤال (444680).

فمن كان حنفيا مثلا، ونذر نذر لجاج، فله أن يأخذ بمذهب الحنابلة في حالات:

الأولى: أن يستفتي من يفتيه بمذهب الحنابلة، والعامي لا يلزمه مذهب معين، ومذهبه مذهب من يفتيه، بل الواجب في حقه أن يسأل أهل العلم الذين يعرفهم، ويمكنه سؤالهم؛ لقول الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه : العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم ، وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... " انتهى من "تفسير السعدي .(441)"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " واجتهاد العامة : هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " انتهى من "جامع الرسائل" (2/318).

فالعوام وهم من ليس عندهم حصيلة من العلم الشرعي تؤهلهم للترجيح بين أقوال العلماء ، فهؤلاء لا يمكنهم استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة ، ولا يستطيعون الترجيح بين أقوال العلماء ولذا ، فالواجب عليهم سؤال العلماء واتباع أقوالهم . قال الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43؛ وإنما يلزمهم أن يقلدوا علماء عصرهم ، بل علماء بلدهم ، حتى لا يفتح لهم الباب للاختيار من أقوال العلماء ما شاءوا – وهم ليس عندهم الأهلية للترجيح – فسوف يختارون الأسهل دائما والموافق لهواهم ، وهذا سوف يؤدي إلى كثرة التنازع والاختلاف وتحلل الناس من أحكام الدين شيئا فشيئا.

جاء في "تنقيح الفتاوى الحامدية " (7/431) بترقيم الشاملة : "فَائِدَةٌ : وَظِيفَةُ الْعَوَامّ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّبَاعُهُمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ... لَا اخْتِيَارَ لِلْعَامِّيِّ فِي أَقْوَالِ الْمَاضِينَ ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ فِي أَقَاوِيلِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ ، ومن وقعت له حادثة فأَخْبَرَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ لَا يَسَعُ الجاهل أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَخْتَارَ لَهُ الْعَالِمُ بِالدَّلِيلِ" انتهى .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(215535). 

الثانية: أن يقع في حرج، لمشقة الوفاء بالنذر؛ فيأخذ بالمذهب الآخر لرفع الحرج والمشقة.

ثم يتأكد اتباع القول الأيسر : متى كان القول المقابل له يوقع المكلف في حرج ، أو مشقة خارجة عن المعتاد في شأن التكليف ، ولم يكن الدليل على ذلك القول بينا محكم الدلالة بالنسبة للمكلف المعين ، أو لم يبلغه دليل أصلا في المسألة ، أو تعارضت عليه وجوه الترجيح ، إن كان ينظر ويرجح ، أو تعارضت عليه أقوال المفتين ، وليس عنده ما يرجح بينها ؛ فلا حرج عليه في ذلك أن يبني ترجيح أحد القولين على التيسير ، ودفع المشقة ، ورفع الحرج ؛ فهذا أصل شرعي معتبر ، تكاثرت النصوص الشرعية في الدلالة عليه ، من حيث الجملة .

قال تاج الدين السبكي رحمه الله: "يجوز التقليد للجاهل والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال : الاختلاف رحمة ، إذ الرخص رحمة" انتهى من "الإبهاج في شرح المنهاج" (3/19).

الثالثة: أن يكون ذلك مراعاة لقوة الدليل، إن كان طالب علم يمكنه فهم الأدلة، ومراتبها، ووجوه دلالاتها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال" انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/223).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (103339)، ورقم: (223879). 

ثانيا:

الممنوع هو التنقل بين المذاهب تتبعًا للرخص.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان‏:‏ من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر آخر‏؟‏‏

فأجاب‏:‏ هذا يراد به شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله ؛  فإنه يكون متبعا لهواه ، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر ‏.‏

وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين ،  وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه ...

وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول ، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها ، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر ، وهو أتقى لله فيما يقوله ، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك‏" انتهى، من  "مجموع الفتاوى" (20/220).

وينظر جواب السؤال رقم:(112123). 

والحاصل:

أن لك العمل في نذورك بمذهب أحمد، ولك الرجوع إلى مذهبك.

والذي ينضبط عليه أمرك: أن تستفتي في نوازلك، وما يعرض لك من أمر دينك: عالما تثقين في علمه، أو جهة علمية قائمة بالفتوى، يمكنك الوصول إليها بسؤالك وحاجتك، فهذا هو فريضة العامي، وما ينضبط عليه أمره.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(229193).

والله أعلم.

أصول الفقه
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب