قال أحد العلماء: إننا يجب أن نتوقف عن الشكوى، وقدم إشارة إلى الحادثة التي اشتكت فيها فاطمة من سمن علي وقلة ماله، استشهد بهذا، عندما جاءت فاطمة، وسألها النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كانت قد أتت لتشتكي من علي. فأجابت أنها فعلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ورب الكعبة! ارجعي إلى علي وقولي له إنك مستعدة لفرك أنفك في التراب لإسعاده، فلتفعل ما يحلو لك)، فهل هذه الحادثة حقيقية، أم أنها قصة مختلقة؟
الحمد لله.
لم نقف على هذا الخبر من شكوى فاطمة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من زوجها علي رضي الله عنه.
وأما شكوى المرأة من زوجها، فليس على درجة واحدة، فمنها ما يشرع كأن تدفع به ضررا عن نفسها أو دينها.
ومن ذلك ما رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714) عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ ).
وأما فاطمة، رضي الله عنها ، فحيث خشي عليها النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة ؛ استمع إلى شكواها.
روى البخاري (3729) ومسلم (2449) عَنِ المِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ، قَالَ: " إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ: (أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ).
وفي رواية عند البخاري (3110)، ومسلم (2449)عن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ، قَالَ: " إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: (إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ( وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ) يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين " انتهى من "فتح الباري" (9 /329).
وأما ما تستطيع المرأة المسلمة حلّه من المشاكل بالتحاور مع زوجها والصبر، فالأولى في هذه الحال عدم الشكوى.
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" يقول السائل: لي أخت متزوجة، ولها مشكلات مع زوجها وأهله، وحينما تأتي لزيارتنا تقص علينا ما يحدث لها ولأولادها، وتبكي كثيرا، إذ إنها تظلم كثيرا، فنحن نوصيها بالصبر، لكني أسأل: هل لها أن تفعل ذلك عندنا، جزاكم الله خيرا، وبم توصونها؟
الجواب: نوصيها بالصبر إذا كان الزوج جيدا طيبا، نوصيها بالصبر وعدم الشكوى إليكم، وعدم إخباركم بشيء، بل يكون ذلك بينها وبين زوجها، وإذا استطاعت أن تطلب من أبيه أو أخيه الكبير، أو خاله أو عمه الجيد أن ينصحه ويشير عليه، إذا دعت الحاجة لذلك فلا بأس، لكن مهما أمكن أن تحل مشكلاتها بنفسها فيما بينها وبينه فهو أولى، وعليها أن تستعمل الخلق الطيب والكلام الطيب، والأسلوب الحسن، حتى يهدأ غضبه، وحتى يستجيب إلى طلبها، لا بالعنف والشدة والهجر ونحو ذلك، بل تعالج الأمور بالحكمة، والكلام الطيب والأسلوب الحسن، وعلى الزوج أن يتقي الله، وأن يعامل زوجته بالمعروف والكلام الطيب، والأسلوب الحسن كل منهما، عليه أن يجتهد في المعاملة باللطف والخير، كما قال الله عز وجل: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) وقال سبحانه: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )... " انتهى. "نور على الدرب" (21 / 234).
وينظر لتمام الفائدة: جواب السؤال رقم: ( 310776)، ورقم: (282237)، ورقم: (271842)
والله أعلم.