الحمد لله.
الزبير بن العوام رضي الله عنه من كبار الصحابة وفضلائهم .
قال الذهبي في ترجمته :
" الزبير بن العوام ، حَوَارِيُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بنت عبد المُطَّلِبِ وَأَحَدُ العَشرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/31).
فهو من خيرة الناس وأفاضلهم، وأحاسنهم خلقاً ، وأحسنهم عملاً ، وأكرمهم صحبة .
وقد جاء في بعض الآثار أنه ربما ضرب زوجته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما .
فروى الطبري في "تهذيب الآثار" (1/414) بسند صحيح عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت : " كنت رابع أربع نسوة تحت الزبير ، فكان إذا عَتِبَ على إحدانا ، فكَّ عودا من عيدان المِشْجَب، فضربها به حتى يكسره عليها ".
والمشجب: أعواد توضع عليها الثياب .
وروى ابن سعد في "الطبقات" (8/ 197) بسند صحيح عَنْ عِكْرِمَةَ: " أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ تَحْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَكَانَ شَدِيدًا عَلَيْهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ ، جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ ".
وما وقع من الزبير رضي الله عنه ، وقع مثله من بعض الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن إياس بن عبد اللَّه بن أبي ذُبابٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ).
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ؟! فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ .
فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ؛ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ).
رواه أبو داود ( 2146 ) ، وصححه الألباني .
ذئِرنَ : أي : نشزْن وساءت أخلاقهن .
وفي " عون المعبود " ( 6 / 130 ) :
" بل خياركم من لا يضربهن ، ويتحمَّل عنهن ، أو يؤدبهن ، ولا يضربهن ضرباً شديداً يؤدي إلى شكايتهن " انتهى.
وما وقع من الزبير ، وهؤلاء الصحابة رضي الله عنه : ليس هو النموذج المثالي، بل الهدي الأكمل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة التي أمرنا الله بالسير على هديها.
عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قالت : "ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ، ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا ؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ". رواه مسلم ( 2328 ) .
قال الطبري:
" الذي هو أفضل للمرء وأحسن به: الصبر على أذى أهله ، والإغضاء عنهم، والصفح عما يناله منهم من مكروه في ذات نفسه ، دون ما كان في ذات الله ؛ وذلك للذي ذكر عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبره على ما كان يكون إليه منهن ... ولم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عاقبهن على ذلك . وبنحو الذي ذكر عمر عنه من خلقه معهن ، تتابعت الأخبار عنه، وإلى مثل الذي كان يستعمل معهن من الأخلاق ، ندب أمته صلى الله عليه وسلم" انتهى من "تهذيب الآثار" (1/ 407).
وقال: " فأفضل الأخلاق التي يتخلق بها الرجل في أهله ، الصبر عليهم ، والصفح عنهم ، على ما تتابعت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخبار الصحاح الأسانيد" انتهى من "تهذيب الآثار "للطبري (1/ 413)
وينظر جواب السؤال رقم : (150762).
والله أعلم .
تعليق