لدي سؤال حول حكم إنكار تفسير أحد آيات القرآن، فمثلا: إحدى الآيات تتكلم عن صفات نساء الجنة، ونعيمهن، فوجدت تفسيرا لها، ولم أقتنع به، ووجدت على ما أتذكر تفسيرا آخر اقنعني، فهل تكذيب التفسير الأول كفر، رغم إنه أكثر التفاسير شهرة، والتفسير الثاني أكثر إقناعا بحسب فهمي المتواضع؟
الحمد لله.
تفسير القرآن قد يكون بالقرآن أو بالسنة أو بأقوال الصحابة، أو باجتهاد المفسرين اعتمادا على ما سبق وعلى لغة العرب.
وما كان تفسيرا بالقرآن أو بالسنة-دون دليل معارض- فيجب الأخذ به، وما كان بأقوال الصحابة، فينبغي ألا يخرج عن أقوالهم، لكن لا حرج أن يترك قولا لأحدهم ويأخذ بقول غيره، دون تكذيب أو إنكار لما تركه.
فمثال ما فسر بالسنة، ويجب الأخذ به، ولا يجوز العدول عنه: قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يونس/26
قال ابن الجوزي رحمه الله في "زاد المسير" (2/326): "وفي الزيادة ستة أقوال: أحدها: أنّها النّظر إلى الله عزّ وجلّ.
روى مسلم في "صحيحه" من حديث صهيب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: )الزّيادة: النّظر إلى وجه الله عزّ وجلّ)، وبهذا القول قال أبو بكر الصديق، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والسدي، ومقاتل.
والثاني: أن الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، رواه الحكم عن عليّ، ولا يصح.
والثالث: أن الزيادة: مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها، قاله ابن عباس والحسن.
والرابع: أن الزيادة: مغفرة ورضوان، قاله مجاهد.
والخامس: أن الزيادة: أن ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به في القيامة، قاله ابن زيد. والسادس: أن الزيادة: ما يشتهونه، ذكره الماوردي" انتهى.
ومن ذلك: قول الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا النساء/15
وقد ورد بيان "السبيل" المذكورة في الآية، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ رواه مسلم (1690).
ومثال ما كان من التفسير بأقوال الصحابة: تفسير العُرب في قوله تعالى عن نساء أهل الجنة ؛: (عُرُبًا أتْرَابًا)
قال ابن الجوزي في "زاد المسير" (4/ 324): "وللمفسرين في معنى عُرُباً خمسة أقوال: أحدها: أنهن المتحبِّبات إلى أزواجهن، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: أنهن العواشق، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وبه قال الحسن، وقتادة، ومقاتل، والمبرّد، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: الحسنة التبعُّل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة.
والرابع: المغنّجات، قاله عكرمة.
والخامس: الحسنة الكلام، قاله ابن زيد" انتهى.
وما اختلف فيه المفسرون اختلافا سائغا، فلا حرج لو ترجح لإنسان أحد هذه الأقوال التي قال بها بعض أهل العلم، فأخذ به، دون غيره. لكن ليس له أن يتتبع شذوذ أهل البدع والضلال، فيما تأولوه من القرآن على غير تأويله، وحملوه على غير طرائق أهل العلم الثقات، وتفاسيرهم.
والله أعلم.