قال تعالى في سورة البقرة: (أنت مولانا فانصرنا)، وقال في سورة الأعراف: (أنت ولينا فاغفر لنا)، فما سبب تغيير اللفظ من المولى إلى الولي؟ وما دلالة كل منهما؟
الحمد لله.
قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286]
وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51].
وقال سبحانه: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف: 155]
وقال: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ سبأ/41.
أولًا:
ذكر أهل التفسير أنَّ (مولانا) بمعنى (ولينا).
وقد ذكر هذا أهل الغريب، ومنهم "ابن قتيبة"، كما في "غريب القرآن"(100).
وقال "الطبري": "يعني بقوله جل ثناؤه: أنت مولانا أنت (وليُّنا) بنصرك، دون من عاداك وكفر بك، لأنا مؤمنون بك، ومطيعوك فيما أمرتنا ونهيتنا، فأنت ولي من أطاعك، وعدو من كفر بك فعصاك.
فانصرنا؛ لأنا حزبُك، على القوم الكافرين الذي جحدوا وحدانيتك، وعبدوا الآلهة والأنداد دونك، وأطاعوا في معصيتك الشيطان"، انتهى من"تفسير الطبري" (5/ 165).
وقال "الواحدي": "فمعنى قوله: (أنت مولانا)؛ أي: أنت وليُّنا بنصرك إيانا، وأنت الذي تلي علينا أمورنا، وذلك أنه يلي أمور المؤمنين بالنصرة والمعونة، يقال منه: وَلِيَ، يَلِي، ولاية؛ فهو وليٌّ، ومَولى"، انتهى من"التفسير البسيط" (4/ 543).
ولم نر في كتب التفسير ما يفرق - في الاستعمال - بينهما في هذه السياقات.
ثانيًا:
لا فرق كذلك في أصل الوضع اللغوي، بين "ولي" و"مولى"، وهذا ما قرره الواحدي بكلام محرر في النقل السابق عنه.
والكلمتان ترجعان لأصل واحد يدل على القرب، يقول "ابن فارس": "(ولي): الواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على قرب.
من ذلك الوَلْيُ: القُرب، يقال: تباعدَ بعد وَلْيٍ، أي قرب، وجلس مما يليني، أي يقاربني.
... ومن الباب المولى: المعتِق، والمعتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر، والجار: كل هؤلاء من الولي وهو القرب، انتهى من "مقاييس اللغة" (6/ 141).
وقال "الراغب": "الوَلَاءُ والتَّوَالِي: أن يَحْصُلَ شيئان فصاعدًا، حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب؛ من حيث المكان، ومن حيث النّسبة، ومن حيث الدِّين، ومن حيث الصّداقة والنّصرة والاعتقاد.
والوِلَايَةُ: النُّصْرةُ، والوَلَايَةُ: تَوَلِّي الأمرِ.
وقيل: الوِلَايَةُ والوَلَايَةُ، نحو: الدِّلَالة والدَّلَالة، وحقيقته: تَوَلِّي الأمرِ.
والوَلِيُّ والمَوْلَى: يستعملان في ذلك، كلُّ واحدٍ منهما يقال في معنى الفاعل، أي: المُوَالِي، وفي معنى المفعول، أي: المُوَالَى، يقال للمؤمن: هو وَلِيُّ اللهِ عزّ وجلّ، ولم يَرِدْ: مَوْلَاهُ.
وقد يقال: اللهُ تعالى وَلِيُّ المؤمنين، ومَوْلَاهُمْ"، انتهى من "المفردات في غريب القرآن": (885).
وهذا الذي أشار إليه "الراغب" من عدم ورود : المؤمن مولى الله، في الاستعمال العربي، قد حرره بكلام أوضح أبو هلال العسكري في "فروقه"؛ قال:
"الفرق بين الولي والمولى: أن الولي يجري في الصفة على المُعان، والمُعين؛ تقول: الله ولي المؤمنين؛ أي: مُعينهم. والمؤمن ولي الله؛ أي: المعان بنصر الله عز وجل.
ويقال أيضا: المؤمن ولي الله، والمراد أنه ناصر لأوليائه ودينه. ويجوز أن يقال: الله ولي المؤمنين؛ بمعنى: أنه يلي حفظهم وكلاءتهم، كولي الطفل المتولي شأنه.
... والمولى على وجوه، هو: السيد والمملوك والحليف ...
وتقول: الله مولى المؤمنين؛ بمعنى أنه معينهم.
ولا يقال: إنهم مواليه؛ بمعنى أنهم معينو أوليائه، كما تقول إنهم أولياؤه بهذا المعنى".
انتهى من "الفروق اللغوية بترتيب وزيادة" (577 - 578).
وبكل حال؛
فلا فرق في "الاستعمال القرآني"، بين (أنت مولانا) ، و(أنت ولينا)؛ وهو تفنن في العبارة.
وينظر للفائدة:
منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (5) الولي والمولى.
والله أعلم.