الحمد لله.
هذا الحديث رواه ابن ماجه (3648)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ( نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ، يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ ).
وهذا إسناد رجاله ثقات.
لكن لفظة ( الخنصر) شاذة.
والراوي الثقة قد يقع منه الخطأ، وذلك كأن يروي ما يخالف رواية الجماعة الثقات ممن شاركوه في رواية الخبر، فيُحْكَم على هذا الخطأ بالشذوذ.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
" ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث " انتهى. من "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 119).
وقال السخاوي رحمه الله تعالى:
" ... إذا أثبت الراوي عن شيخه شيئا، فنفاه من هو أحفظ، أو أكثر عددا، أو أكثر ملازمة منه... والمحدثون يسمونه شاذا؛ لأنهم فسروا الشذوذ المشترط نفيه هنا: بمخالفة الراوي في روايته من هو أرجح منه، عند تعسر الجمع بين الروايتين.
ووافقهم الشافعي على التفسير المذكور، بل صرح بأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، أي: لأن تطرق السهو إليه أقرب من تطرقه إلى العدد الكثير، وحينئذ؛ فَرَدُّ قول الجماعة بقول الواحد بعيد " انتهى. "فتح المغيث" (1 / 30).
وهذا الحديث قد رواه جمع من ثقات من غير لفظ ( الخنصر)، كمثل رواية يَحْيَي بْنُ يَحْيَي، عن أَبي الْأَحْوَصِ.
فقد رواها الإمام مسلم (2078)، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عن عاصم ابن كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قال: قَالَ عَلِيٌّ:
( نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا ).
قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله تعالى:
" وقوله: (فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى، وَالَّتي تَلِيهَا) المراد بالتي تليها هي السبّابة، ففي رواية أبي عوانة من طريق موسى بن داود عن شعبة: ( نهاني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن أتختّم في هذه وهذه، وأشار إلى السبّابة والوسطى ). " انتهى. "البحر المحيط" (34 / 789).
وكمثل رواية مُسَدَّد، عن بِشْر بْن الْمُفَضَّلِ، عن عَاصِم بْن كُلَيْبٍ.
رواها أبو داود (4225)، قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( نَهَانِي - رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَضَعَ الْخَاتَمَ فِي هَذِهِ أَوْ فِي هَذِهِ - لِلسَّبَّابَةِ ، وَالْوُسْطَى، شَكَّ عَاصِمٌ ).
وكمثل رواية ابْن أَبِي عُمَرَ، عن سُفْيَان، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ.
رواها الترمذي (1786)، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: ( نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ القَسِّيِّ، وَالمِيثَرَةِ الحَمْرَاءِ، وَأَنْ أَلْبَسَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى ).
وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى: وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ " انتهى.
ورواية مُحَمَّد بْن مَنْصُورٍ، عن سُفْيَان، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ.
رواها النسائي (5210)، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَلِيُّ، سَلِ اللهَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، وَنَهَانِي أَنْ أَجْعَلَ الْخَاتَمَ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ، وَأَشَارَ يَعْنِي بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ).
وتتأيد رواية هؤلاء الثقات بما رواه البخاري (5874)، عن عَبْد الْعَزِيزِ بْن صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا قَالَ: إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، قَالَ: فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ ).
وبوّب عليه بقوله: " بَابُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( باب الخاتم في الخنصر): أي دون غيرها من الأصابع، وكأنه أشار إلى ما أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، من طريق أبي بردة بن أبي موسى، عن علي، قال: ( نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه ) يعني السبابة والوسطى" انتهى. "فتح الباري" (10 / 324).
وبما روى مسلم (2095) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قال:
( كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ. وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى ).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وفي حديث علي: (نهاني صلى الله عليه وسلم أن أتختم في أصبعي هذه أو هذه ) فأومأ إلى الوسطى والتي تليها. وروي هذا الحديث في غير مسلم السبابة والوسطى.
وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (14/ 71).
والله أعلم.