الحمد لله.
أولا:
ثبت استحباب التهليل في أدبار الصلوات.
روى البخاري تحت باب: "الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ" (844)، ومسلم (593): عن سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ).
وورد في بعض رواياته تقييد ذلك بثلاث مرات:
فورد عند البخاري - برواية الصغاني - تحت باب: "مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ" (6473)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: مُغِيرَةُ، وَفُلاَنٌ، وَرَجُلٌ ثَالِثٌ أَيْضًا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى المُغِيرَةِ: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ المُغِيرَةُ: ( إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاَةِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ).
فهذه الزيادة ليست في جميع نسخ البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" زاد في نسخة الصغاني هنا: ( ثلاث مرات ) " انتهى من "فتح الباري" (11/307).
ورواه النسائي تحت باب: "كَمْ مَرَّةً يَقُولُ ذَلِكَ؟" (1343)، والإمام أحمد في "المسند" (30 / 127)، وابن خزيمة (1/365)، وغيرهم، كلهم من طريق هشيم.
فقد تفرّد هذا الطريق بهذه الزيادة.
وقد ورد من طرق عدة بدونها؛ كما هو حال الراوية السابقة المتفق عليها، خاصة وأن البخاري لما ذكر الحديث في "باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ"، ذكر الرواية الخالية من هذه الزيادة.
وقد حكم ابن رجب رحمه الله تعالى على هذه الزيادة بالغرابة، في "فتح الباري" (7/417).
وقد أطال الشيخ الألباني في بيان شذوذ هذه الزيادة وضعفها، حيث قال رحمه الله تعالى:
" (كان يقول في دبر الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، [ وهو حي لا يموت، بيده الخير ] ، وهو على كل شيء قدير، [ ثلاث مرات ] ).
شاذ بالزيادتين، وصحيح جدا بدونهما. وإليك البيان:
لقد جاء الحديث في "الصحيحين" والسنن والمسانيد، من رواية ورّاد كاتب المغيرة، من طرق كثيرة جدا عنه عن المغيرة بن شعبة مرفوعا، ليس في أكثرها الزيادتان، وإنما شذ بعض الرواة بذكرهما في بعض الطرق، خلافا لأكثر الثقات فيها...
وأما الزيادة الأخرى: (ثلاث مرات) ؛ فقد تفرد بها هشيم بإسناد له غريب:
فقال أحمد (4 / 250) : ثنا هشيم: أخبرنا غير واحد؛ منهم مغيرة عن الشعبي عن ورّاد به.
وهكذا أخرجه النسائي (1/197) من طريقين آخرين عنه به.
وابن خزيمة (1 / 365 /742) عن راويين عنه به؛ إلا أنه قال:
(منهم المغيرة ومجالد ورجل ثالث).
وهكذا رواه البخاري (11 / 306 / 6473) من طريق أخرى عن هشيم به؛ إلا أنه لم يسم مجالدا فقال:
(. . . وفلان. . .) ؛ لكن لم يذكر الزيادة؛ لكنها جاءت في نسخة الصغاني كما في "الفتح" (11 / 307) ، وهي في الطبعة الإستنبولية (7 / 184).
ورواه الطبراني في (الكبير) (20 / 383 / 897) و (الأوسط) (1 / 215 / 2 / 3863) من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي: حدثنا هشيم به؛ لكنه قال:
(عن مغيرة وزكريا وإسماعيل ومجالد) : فذكر أربعة، ولم يذكر الزيادة.
والحسن المذكور؛ ثقة؛ كما في "الفتح".
قلت: ولهذه الزيادة عندي عدة علل:
الأولى: تفرد هشيم بها دون كل الطرق التي سبقت الإشارة إليها عن الشعبي وغيره عن ورّاد.
الثانية: اختلاف الرواة عليه في الزيادة؛ فمنهم من لم يذكرها كالحسن الواسطي، وتابعه يحيى بن أبي بكير: عند الطبراني (20 / 383 / 898)؛ على أنهما لم يذكرا أيضا تصريحه بالتحديث!
الثالثة: اضطرابه هو أو الرواة عنه في ذكر عدد شيوخه.
الرابعة: عدم تصريحه بكون السياق لهم جميعا أو لأحدهم، وفيهم مجالد - وهو ابن سعيد - وليس بالقوي، ومن المحتمل أن تكون الزيادة منه، فتكون منكرة.
الخامسة: أنه كان مدلسا تدليسا غريبا؛ سماه الحافظ ابن حجر وغيره: تدليس العطف، قال في (طبقات المدلسين): ومن عجائبه في التدليس: أن أصحابه قالوا له: نريد أن لا تدلس لنا شيئا. فواعدهم، فلما أصبح أملى عليهم مجلسا، يقول في أول كل حديث منه: حدثنا فلان وفلان عن فلان، فلما فرغ قال: هل دلست لكم اليوم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإن كل شيء حدثتكم عن الأول سمعته، وكل شيء حدثتكم عن الثاني فلم أسمعه منه ".
وعلى هذا؛ فنستطيع أن نقول: هذه شهادة منه: أن من عطفهم على المغيرة، عند ابن خزيمة والطبراني: لم يسمعه منهم. وهم عند البخاري غير مسمَّيْن، فتكون روايته عنهم معللة بـ (العنعنة) ... " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (12 / 209 – 215).
فالخلاصة: أن زيادة لفظة ( ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ) زيادة ضعيفة، لاضطراب إسنادها، ومخالفتها لرواية جمع من الثقات، ولم يخرجها البخاري في بابها وهو "الذكر بعد الصلاة".
ثم هي غير مقيدة بالصبح والمغرب أيضا، بل بالذكر بعد الصلاة عموما؛ فعلى تقدير ثبوتها: يعمل بها في كل الصلوات. فيُنتبه لذلك.
ثانيا:
والتهليل عشر مرات ليس من الأذكار التي ثبتت سنية قولها بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، وقد سبق بيان ضعف الحديث الوارد فيها، وهذا في جواب السؤال رقم: (175771).
بل هي من أذكار اليوم والليلة.
كما في حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ).
رواه البخاري (6404)، ومسلم (2693) واللفظ له.
ورواه الإمام أحمد في "المسند" (38/ 501-502) وابن حبان (5 / 369)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلَاتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ).
والله أعلم.