أعمل في شركة عالمية، ومن شروطها أن لا نضع السماعات أثناء العمل، لكن أنا أحس بملل أثناء العمل، والآن أتساءل هل بوضعي لسماعة فيه إثم؟ والسؤال الآخر: من شروط العمل أن نعمل واقفين طوال الدوام، في بعض الأحيان أجلس لأستريح؛ لأنني لا أقدر على ذلك، فما حكم ما أفعله؟
الحمد لله.
أولًا:
أما بالنسبة لاشتراطهم عدم وضع الموظف للسماعات أثناء العمل، فهذا شرط صحيح ، يرون أن فيه مصلحة للعمل ، لأن الموظف قد ينشغل بما يسمعه عن عمله وعن الحديث مع العملاء ، فمن دخل العقد بهذا الشرط فيلزمه الوفاء، ولا يجوز له المخالفة، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]. وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك" انتهى من "القواعد النورانية" (ص: 272).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن الأصل في جميع الشروط في العقود الصحة حتى يقوم دليل على المنع؛ والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد" انتهى من "الشرح الممتع" (12/163).
ثانياً:
وأما اشتراطهم عدم الجلوس وقت العمل، فإن كانت طبيعة العمل تتطلب الوقوف، فهذا شرط صحيح حكمه حكم سابقه، وعدم قدرتك عليه يلزمك إبلاغ الإدارة بذلك، فتتوافق معهم على وضع يسمح لك بالراحة حين التعب، فإن قبلوا، فالحمد لله، وإن رفضوا، فاعتذر عن العمل، ولا تخالف الشرط الذي تعاقدت معهم عليه.
وإن كانت طبيعة العمل لا تطلبه، فهو تعنت ، وإشقاق ظاهر، ولا يلزمك ذلك في كل حال، بل متى اقتضى عملك القيام، وكان ذلك من تمام مصلحته: قمت، ومتى لم يكن هناك مصلحة معقولة في قيامك، ولم تتطلب وظيفتك ذلك: فلا يلزمك الوقوف بلا معنى، ولا مصلحة ؛ ولك أن تجلس حال تعبك، أو حال عدم وجود عمل تباشره واقفاً.
وفي هذه الحال: يكون اشتراط وقوفك من جملة الشروط الباطلة، ولا يؤثر على العقد، كما يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة حينما تعنتوا في جعل ولاء الجارية التي باعوها لعائشة لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها : خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ البخاري (2168).
فجوّز لها النبي صلى الله عليه وسلم أن توافق على الشرط الباطل الذي لن تلتزم به.
وهذا أمر يرجع إلى ديانتك ومعرفتك بطبيعة هذا الشرط، وهل هو من مصالح العمل أو من باب التعنت الذي لا يعود على العمل بفائدة.
ونرى أنك لو تركت العمل معهم، وبحثت عن العمل مع قوم آخرين لا يتنعتون، ولا يتشرطون مثل ذلك، ما وجدت إلى ذلك سبيلا: لكان أوفق لك.
والله أعلم.