سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ هل ينبغي أن نكرر هذا الذِّكر إذا كان الرعد مستمرا أم يكفي قوله مرة واحدة؟
الحمد لله.
أولاً:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا الذكر عند سماع الرعد، وإنما ورد بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: " أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ".
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (723) ، ومالك في "الموطأ" (3641) وصحح إسناده النووي في "الأذكار" (235) ، والألباني في "صحيح الأدب المفرد (556).
كما ورد عن غيره من الصحابة.
قال النووي رحمه الله: "وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كنّا مع عمر رضي الله عنه في سفر، فأصابنا رعدٌ وبرقٌ وبَرَدٌ، فقال لنا كعب: مَن قال حين يسمع الرعد: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثلاثاً، عُوفي مِنْ ذلكَ الرعد، فقلنا فعوفينا" انتهى من "الأذكار للنووي" (ص181).
قال ابن علان: "قال الحافظ: هذا موقوف حسن الإسناد، وهو وإن كان عن كعب، فقد أقره ابن عباس وعمر، فدل على أن له أصلا" انتهى من "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (4/ 286).
ومن هنا جاء استحباب قول هذا الذكر عند سماع الرعد.
وقد ورد مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ.
رواه الترمذي (3450) وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وضعفه النووي في "الأذكار للنووي" (ص181)، والألباني في ضعيف الترمذي (3694).
والحديث، وإن كان ضعيفا، كما في كلام الترمذي نفسه؛ إلا أن فضائل الأعمال عامة، والأدعية المأثورة خاصة: أمرها واسع، وعلى التسهيل فيها جرى عمل أهل العلم.
ففي المستدرك "عن عبد الرحمن بن مهدي، يقول: إذا روينا، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال، والحرام، والأحكام، شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب، والعقاب، والمباحات، والدعوات تساهلنا في الأسانيد " "المستدرك على الصحيحين" (1/ 666).
وذكر القاضي أبو يعلى رحمه الله عن الإمام أحمد أنه قال: "إذا روينا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الحلال والحرام شددنا في الأسانيد. وإذا روينا عن النبي صلّى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ومالا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد" انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 425).
قال النووي رحمه الله: "وقد قدما اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، دون الحلال والحرام" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (3/ 248).
وقال الحطاب: "وإن كان ضعيفا؛ فقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" انتهى من "مواهب الجليل" (1/ 17).
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ لأنه إن كان صحيحًا في نفس الأمر، فقد أعطي حقه من العمل به، وإلَّا؛ لم يترتب على العمل به مفسدة تحليلٍ ولا تحريم، ولا ضياع حقٍّ للغير" انتهى من "الفتح المبين بشرح الأربعين" (ص109).
ودعوى الاتفاق متعقبة، وقد سبق بيان اختلاف العلماء وشروطهم في العمل بالحديث الضعيف (44877).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الأحاديث التي فيها ضعف، إما راوي سيئ الحفظ، أو راوي عنده شيء من الفسق، أو ما أشبه مما يقال: إن حديثه ضعيف، هذا يذكر عند العلماء في مقام الترغيب في الأعمال الصالحة المعروفة، مثل: الأحاديث الضعيفة في مقام الصدقات، الصدقات معروفة، أمر الصدقة فيها الآيات، وفيها الأحاديث الصحيحة، فإذا جاء بعض الأحاديث الضعيفة في فضل الصدقات؛ ذكروه، أو في فضل الصلاة، والتنفل، أو في فضل التسبيح، أو التهليل، والأذكار، كل هذه أمور معلومة، فقد يتساهلون في الأحاديث الضعيفة؛ لأن أصلها معروف، ولأن العبادات التي جاءت بها في الأحاديث الضعيفة أمر معلوم من الكتاب، والسنة" انتهى من "موقع الشيخ".
ثانياً:
مسألة تكرار الذكر الوارد في السؤال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده ....)
فكما هو ظاهر من فعل كعب وإقرار عمر وابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين- أنه كان يقوله ثلاثاً.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب الذكر والدعاء ثلاثاً (وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا).
وعلى ذلك؛ فإذا ردد هذا الذكر ثلاثا: فهو حسن.
وإن كرره كلما سمع الرعد: فالظاهر أيضا أنه لا بأس، حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه كان أحيانا يدعو بأكثر من الثلاث، فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: " بَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّات" البخاري (4099).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه: وأنه كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس: كان إذا دعا دعا ثلاثا ـ فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس، لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام، ولا سيما مع القوم الذين هم منهم" انتهى من " فتح الباري لابن حجر" (8/ 73-74).
فإذا وُجدت الدواعي لذلك، ومنها تكرر السبب، فلا باس من التكرار.
والله أعلم