الحمد لله.
أولا :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أنت ومالك لأبيك) .
وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ، بناء على أن كل طرقه فيها ضعف ، لكن قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"فَمَجْمُوعُ طُرُقِهِ لَا تَحُطُّهُ عَنِ الْقُوَّةِ وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ" انتهى من "فتح الباري" (5/211).
فهذا الحديث يدل على أن للأب أن يأخذ من مال ولده ، ولكن بَيَّن العلماء أن لذلك شروطا ، بعضها متفق عليه ، وبعضها اختلف فيه العلماء .
فمن الشروط المتفق عليها : أن لا يأخذ الأب ما تتعلق به حاجة الابن ، كما لو أخذ سيارته ، أو أدوات مهنته التي يحتاج إليها ... ونحو ذلك .
وهل يشترط لذلك أن يكون الأب محتاجا؟
هذا الشرط مما اختلف فيه العلماء ، فذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يشترط هذا ، وذهب سائر الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أنه يشترط لذلك أن يكون الأب محتاجا ، واستدلوا على ذلك بأنه قد جاء هذا الشرط مصرحا به في أحد ألفاظ الحديث .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) رواه الحاكم (2/284)، والبيهقي (7/480) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564)، وقال:
وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور " أنت ومالك لأبيك " ( الإرواء 838 ) : ليس على إطلاقه بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء ، كلا ، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه . والله أعلم .
وينظر جواب السؤال رقم: (9594)، (259684).
ثانا :
ما دام والدك قد أخذ مالك على سبيل المشاركة ، فالواجب عليه أن يلتزم بما اتفق معك عليه ، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) المائدة/1.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين كما هو معلوم .
والذي ننصحك به أن تحاول التفاهم مع والدك ، أن يعطيك بعضا من هذا المال وتتنازل عن باقيه .
وهذه صورة من صور الصلح التي ذكرها العلماء.
قال في زاد المستقنع :
"ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر وهو يجهله ثم صالح بمال صح" انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" إذا جاء إليَّ شخص وقال: إن في ذمتك لي مائة درهم، فقلت: ليس لك عليَّ شيء، فإنكاري هذا قد يكون عن علم أو عن نسيان وقد يكون عن جهل ... فقلت: ما دمت تدعي عليَّ بهذا وأنا لا أقر به، فلنجعل بيننا صلحاً، فأعطيك عن مائة الدرهم خمسين درهماً ، فيجوز وينفذ الصلح، ويلزم كل من الطرفين بما تم عليه الاتفاق" انتهى من "الشرح الممتع" (9/241).
ولكن احذر أن يجرك ذلك إلى شيء من العقوق ، كرفع الصوت عليه أو تعنيفه أو الإشارة إليه بيدك إشارة تغضبه ونحو ذلك .
فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ، ولا يبيحه ظلم الأب لابنه ، مهما كان مقدار هذا الظلم .
قال الله تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15 .
والله أعلم.