الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

أخذ منه أبوه مالا على سبيل المشاركة ثم لم يرده إليه!

488534

تاريخ النشر : 01-01-2024

المشاهدات : 876

السؤال

قبل أكثر من ٣٠ عاما توظفت، وطلب مني والدي أن أعطيه مبلغا كل شهر؛ ليشغله لي، ويعطيني بعد ذلك المبلغ والأرباح، واستمر الوضع هكذا إلى أن تزوجت، وأنجبت الأبناء، والمبلغ ما يقارب ٣٠٠ ألف، وعندما طلبت المبلغ والأرباح، قال لي: إن مالك لأبيك، بالعام أبي رجل مقتدر ماديًا جداً، ولا ينقصه شيء، وكان بيننا اتفاق، ومرت ٣٠ سنة، وأنا بحاجة للمال، فما الحل؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أنت ومالك لأبيك) .

وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ، بناء على أن كل طرقه فيها ضعف ، لكن قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"فَمَجْمُوعُ طُرُقِهِ لَا تَحُطُّهُ عَنِ الْقُوَّةِ وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ" انتهى من "فتح الباري" (5/211).

فهذا الحديث يدل على أن للأب أن يأخذ من مال ولده ، ولكن بَيَّن العلماء أن لذلك شروطا ، بعضها متفق عليه ، وبعضها اختلف فيه العلماء .

فمن الشروط المتفق عليها : أن لا يأخذ الأب ما تتعلق به حاجة الابن ، كما لو أخذ سيارته ، أو أدوات مهنته التي يحتاج إليها ... ونحو ذلك .

وهل يشترط لذلك أن يكون الأب محتاجا؟

هذا الشرط مما اختلف فيه العلماء ، فذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يشترط هذا ، وذهب سائر الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أنه يشترط لذلك أن يكون الأب محتاجا ، واستدلوا على ذلك بأنه قد جاء هذا الشرط مصرحا به في أحد ألفاظ الحديث .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أولادكم هبة الله لكم  (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) رواه الحاكم (2/284)، والبيهقي (7/480) .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564)، وقال:

وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور " أنت ومالك لأبيك " ( الإرواء 838 ) : ليس على إطلاقه بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء ، كلا ، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه . والله أعلم .

وينظر جواب السؤال رقم: (9594)، (259684).

ثانا :

ما دام والدك قد أخذ مالك على سبيل المشاركة ، فالواجب عليه أن يلتزم بما اتفق معك عليه ، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) المائدة/1.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين كما هو معلوم .

والذي ننصحك به أن تحاول التفاهم مع والدك ، أن يعطيك بعضا من هذا المال وتتنازل عن باقيه .

وهذه صورة من صور الصلح التي ذكرها العلماء.

قال في زاد المستقنع :

"ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر وهو يجهله ثم صالح بمال صح" انتهى .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :

" إذا جاء إليَّ شخص وقال: إن في ذمتك لي مائة درهم، فقلت: ليس لك عليَّ شيء، فإنكاري هذا قد يكون عن علم أو عن نسيان وقد يكون عن جهل ... فقلت: ما دمت تدعي عليَّ بهذا وأنا لا أقر به، فلنجعل بيننا صلحاً، فأعطيك عن مائة الدرهم خمسين درهماً ، فيجوز وينفذ الصلح، ويلزم كل من الطرفين بما تم عليه الاتفاق" انتهى من "الشرح الممتع" (9/241).

ولكن احذر أن يجرك ذلك إلى شيء من العقوق ، كرفع الصوت عليه أو تعنيفه أو الإشارة إليه بيدك إشارة تغضبه ونحو ذلك .

فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ، ولا يبيحه ظلم الأب لابنه ، مهما كان مقدار هذا الظلم .

قال الله تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15 .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب