الحمد لله.
أولا:
من يعمل لحساب غيره دون اتفاق، فالأصل أنه متبرع، إلا أن يكون منتصبا للعمل بأجرة، مثل المكاتب العقارية وتقديم الخدمات، والسماسرة، ومن عُرف أنه يأخذ أجرة على عمله، كالحمَّالين في المطارات ومحطات القطار ونحوهم، فهؤلاء لهم أجرة المثل وإن لم يتفقوا على أجرة أو عمولة.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (5/ 415): " إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار، ليخيطه أو يقصره، من غير عقد ولا شرط، ولا تعويض بأجر- مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر-، وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك، ففعلا ذلك، فلهما الأجر.
وقال أصحاب الشافعي: لا أجر لهما؛ لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جُعِل لهما، فأشبه ما لو تبرعا بعمله.
ولنا: أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، كما لو دخل حماما، أو جلس في سفينة مع ملاح. ولأن شاهد الحال يقتضيه، فصار كالتعويض.
فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك: لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العوض، أو تعريضٍ به؛ لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد، فصار كما لو تبرع به، أو عمله بغير إذن مالكه" انتهى.
وقال البهوتي، رحمه الله في "كشاف القناع" (9/ 50): "(وإن دفع) إنسان (ثوبه إلى قَصَّار، أو خيَّاط، ونحوهما) كصَبَّاغ (ليعمله) أي: ليقصرَه، أو يخيطه، أو يصبغه ونحوه (ولو لم تكن له) أي: للقصَّار ونحوه (عادة بأخذ أُجرة، ولم يَعقِدا) أي: القصَّار والخياط (عقدَ إجارة): صح، وله أجرة مثله، حيث كانا منتصبين لذلك، وإلا؛ لم يستحقَّا أجرًا، إلا بشرط، أو عقدٍ، أو تعريض؛ لأنه لم يوجد عُرف يقوم مقام العقد، فهو كما لو عمل بغير إذن مالكه". انتهى.
وقال أيضا - كشاف القناع (9/ 485) -: "(ومن عمل لغيره عملًا بغير جُعْل، فلا شيء له) لأنه بذل منفعته من غير عوض، فلم يستحقه؛ ولئلا يَلزم الإنسانَ ما لم يلتزمه، ولم تطب نفسه به. (إن لم يكن) العامل (مُعَدًّا لأخذ الأجرة.
فإن كان) معدًّا لذلك (كالملَّاح، والمُكاري، والحَجَّام، والقصَّار، والخيَّاط، والدلَّال، ونحوهم) كالنقَّاد، والكيَّال، والوزَّان، وشبههم، (ممن يرصد نفسه للتكسُّب بالعمل، وأذن له) المعمول له في العمل: (فله أُجرة المِثْلِ)، لدلالة العُرف على ذلك". انتهى.
وعليه؛ فأنت وكيل متبرع، تقوم بما يطلبه منك قريبك من البحث عن المنتج وغير ذلك.
ثانيا:
لا يحل لك أن تأخذ شيئا من شركة الشحن، أو المصانع وسائر الجهات التي تتعامل معها نيابة عن قريبك؛ لأن الوكيل لا يأخذ شيئا إلا بعلم موكِّله، والأصل أن المال المدفوع من شركة الشحن يذهب إلى قريبك، ويكون كالتخفيض من كلفة الشحن، ليستمر في التعامل مع الشركة.
قال في مطالب أولي النهى (3/132) : " (وهبة بائعٍ لوكيلٍ ) اشترى منه، ( كنقصٍ ) من الثمن؛ فتُلحق بالعقد، ( لأنها لموكله )" انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/273): "س: كلفتُ غيري بشراء سلعة لي، وثمنها خمس جنيهات مثلا، ولكن الرجل أعطاها له بمبلغ أربع جنيهات ونصف، فهل له أن يأخذ الباقي ومقداره نصف جنيه أم لا؟
الجواب: هذا يعتبر توكيلا، ولا يجوز للوكيل أخذ شيء من مال الموكِّل إلا بإذنه؛ لعموم أدلة تحريم مال المرء المسلم إلا عن طيبة من نفسه" انتهى.
وعليه؛ فالواجب إما أن ترد ما أخذت من شركة الشحن لقريبك، ولو دون إخباره، كأن تدفعه في ثمن بضاعة تحضرها له، وإما أن تتحلل منه، فتخبره أن شركة الشحن كانت تعطيك مالا، فإن سمح به، فلك، وإن طلبه فهو حقه.
ثم أنت بعد ذلك بخير النظرين لنفسك، إن شئت أن تبقى متبرعا على ما أنت عليه، فذاك؛ وإلا، فاتفق مع قريبك على أجرة، أو نسبة من الربح، تتراضيان عليها، تكون عوضا عما تبذل.
وكان عليك أن تسأل عن حكم المعاملة قبل الدخول فيها وأكل المال.
والله أعلم.