شاهدت إعلانا بواسطة سمسار عن شقة، وذهبت إليه، وعاينت الشقة، ولم أتفق مع صاحب الشقة علي السعر؛ لأنه كان غالِ، وانصرفت، وتحدثت إلي السمسار لاحقا بأنه لو يستطيع تنزيل السعر 100 ألف جنيه ممكن أشتري الشقة، وتواعدنا علي موعد الخامسة مساء السبت، وكان ذلك يوم الأربعاء، ولم نتواصل بعدها، صاحب الشقة حدث له ظرف طارئ ـ لم نكن نعلم به ـ وطلب السماسرة المسوقين للشقة، وأخبرهم بتنزيل السعر 200 ألف جنيه، وطلب سرعة البيع، أثناء البحث في المنطقة قابلت سمسارا أخر وصف لي الشقة ، ولا يعرف السمسار الأول، ولا علاقة بينهما، وبلغني أنه يستطيع تخليص الشقة بأقل من السعر المعلن 200 ألف جنيه، وذهب معي السبت الواحدة ظهرا، وبالفعل تم شراء الشقة من خلال السمسار الثاني، علما بأن صاحب الشقة اتصل علي السمسار الأول ضمن من اتصل عليهم لإبلاغه بتنزيل السعر، إلا أنه يغلق هاتفه الجمعة وصباح السبت، وبالتالي لم يعلم المعلومة، بينما الثاني كان علي تواصل مع صاحب الشقة، وقابلني بقدر الله تعالى، ما قمت به هو إعطاء العمولة للسمسار الثاني من طرفي، وقام صاحب الشقة بإعطاء عمولة أقل للسمسار الأول تقديرا لتعبه في تسويق الشقة، وعمل إعلان لها، وإن كان البيع لم يتم عن طريقه، حاليا يطاردني السمسار الأول، ويهددني، ويدعو علي وعلي أسرتي، وله شريك في عمرة، أرسل لي رسالة فيديو وهو يدعو علي، ويتحسبن في؛ أني أكلت حقه، علما بأني سألت السماسرة القدامي، وأفادوا بأن مهنة السمسرة مبنية علي إنجاز البيع، وليست على السعي، وأنه لا يستحق عمولة، وربما يستحق مكافئة بسيطة مقابل السعي، وقد حصل علي أكثر من هذا من البائع، الذي كان قد أتفق معي علي أنه يعطي السمسار الأول تقدير جهده، وأنا أعطي السمسار الثاني الذي حقق البيع عمولته كاملة، ما رأيكم شرعا في الواقعة كما هي؟
الحمد لله.
السمسرة من الجعالة، وهي عقد على عمل معين، كأن يقول: من باع لي كذا فله كذا، أو من رد لي ضالتي فله كذا.
ولا يُسْتَحقُّ الجعلُ إلا بإتمام العمل، فلو مكث أحدهم أياما يبحث عن الضالة، فلم يجدها، ووجدها غيره في ساعة، لم يستحق الأول شيئا.
قال النفراوي في "الفواكه الدواني" (2/111): " (ولا شيء له) أي للعامل (إلا بتمام العمل)؛ لورود النص بذلك. قال - تعالى -: ولمن جاء به حمل بعير؛ فإن مفهومه: أنه إن لم يأت به، لا شيء له، وأما إن تم العمل، فيستحق الجعل المسمى له" انتهى.
وقال الجويني: " إن المجعول له: لا يستحق من الجُعل شيئاً، ما لم يُتم العمل، هذا متفق عليه...
فإن موضوع هذه المعاملة على تحصيل تمام المقصود من العمل.، فإذا لم يحصل ، لم يثبت للعامل استحقاقٌ...
ويتصل به : ما لو عسُر عليه إتمام العمل؛ فإنه لا يستحق الجُعْلَ، وإن لم يقصِّر؛ وفاقاً... والجملة : أن تمام العمل لا بد منه، ولا يحصل استحقاقُ جزء من الجُعل دونه". انتهى من "نهاية المطلب في دراية المذهب" (8/ 496).
وعليه؛ فإن السمسار الأول لا يستحق شيئا، لا من البائع، ولا من المشتري؛ لأنه لم يكمل العمل ولم يتم البيع عن طريقه.
وكون البائع أعطاه شيئا مقابل إعلانه وسعيه: فهذا تبرع منه، والعمولة كلها للثاني.
والله أعلم.