كثير من الناس يقولون: لو كنا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لطلبنا منه أن يدعو لنا؛ لأن دعوته مستجابة، ولذلك أردنا ان نعرف من هم الصحابة الذين طلبو من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم؟ وأن يدعو لهم بماذا؟ وهل وافق الرسول صلى الله عليه وسلم أم رفض؟ وهل لو تشبهنا بالصحابة ودعونا نفس الدعاء، هل سيستجاب لنا؟
الحمد لله.
أولا:
من صفة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه رحيم بالمؤمنين حريص على ما ينفعهم، فكان يستجيب لطلب أصحابه رضوان الله عليهم بالدعاء لهم، فيدعو لهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
ومن ذلك الدعاء لأنس رضي الله عنه بكثرة الخير والبركة.
روى البخاري (6334)، ومسلم (2480) عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللهَ لَهُ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ.
ودعاؤه صلى الله عليه وسل بالبركة والرحمة والمغفرة لمن أضافه وقدم له طعاما وشرابا، روى مسلم (2042) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: " نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ، فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ ظَنِّي، وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ: إِلْقَاءُ النَّوَى بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ. ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ: فَقَالَ أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللهَ لَنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ.
ودعاؤه لأبي هريرة وأمه رضوان الله عليهما، روى مسلم (2491) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ. قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ، قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ! فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا! قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي".
وربما اعتذر النبي صلى الله عليه وسلم لحكمة.
كما في الحديث الذي رواه البخاري (5811) عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، قَالَ: ادْعُ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَبَقَكَ عُكَاشَةُ.
وربما أرشد الطالب إلى ما هو أنفع له.
كما في حديث عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا " رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576).
ويستغنى عن تتبع أخبار الصحابة الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بتتبع الأدعية التي أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم بملازمتها، فلا يخلو حال أو وقت من يوم المسلم وليله إلا وقد ورد فيه أدعية وأذكار، وقد اجتهد أهل العلم في جمعها وتقريبها للناس، ومن أشهر الكتب في هذا الباب كتاب "الأذكار" للنووي رحمه الله تعالى، ومن المصنفات المعاصرة، كتاب "حصن المسلم من أذكار الكتاب والسُّنة" وكتاب ""الدعاء من الكتاب والسنة"، كلاهما للشيخ سعيد بن على بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى.
ثانيا:
ملازمة المسلم واتباعه لصيغ الأدعية التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها، لا شك أنها سبيل لقبول الدعاء.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
لكن اتباع صيغ أدعية النبي صلى الله عليه وسلم مع عظم أهميته لا يكفي وحده، بل لا بد أن ينضم إلى هذا الاتباع: حضور القلب.
- وحضوره يكون بالإخلاص.
قال الله تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف/29.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: " ( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له، والدعاء يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أي: لا تراؤا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 286).
- وبالتضرع.
قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف/55.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد قال تعالى: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكره في نفسه قال مجاهد وابن جريج: أمروا أن يذكروه في الصدور بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت والصياح، وتأمل كيف قال في آية الذكر: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ ) الآية. وفي آية الدعاء: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) فذكر التضرع فيهما معا وهو التذلل، والتمسكن، والانكسار وهو روح الذكر والدعاء " انتهى. "مجموع الفتاوى" (15 / 19).
- وكذا بحضور اليقين في قلبه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ! اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679) واللفظ له.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن يقول : أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عنه أنه قد أساء وأخطأ ؛ إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار . فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان وخلاف للسنة ؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا ، ولم يدخر الله عنه خيرا ؛ بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة ؛ إذ هو أكرم الخلق على الله فهل الأمر كذلك أم لا ؟ .
فأجاب رحمه الله :
" الحمد لله ، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس ، وهي جملة يطول تفصيلها. وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به ، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة ، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به ... وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي : فهذا مما ينهى عنه . ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" انتهى .
"مجموع الفتاوى" 22 /510-511).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (153274)، ورقم: (324924)، ورقم: (109800).
الخلاصة:
ورد أن من الصحابة رضوان الله عليهم من كان يطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يستجيب لهم ويدعو لهم بالخير، وربما اعتذر لسبب.
وملازمة صيغ أدعية النبي صلى الله عليه وسلم سبيل لاستجابة الدعاء، إذا انضم إليها حضور القلب بالإخلاص واليقين والتضرع.
والله أعلم.