الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز الدعاء بغير المأثور في الصلاة والقنوت؟

324924

تاريخ النشر : 17-01-2024

المشاهدات : 5316

السؤال

سؤالي من قسمين: الأول: يقول الإمام عندنا في صلاة الفجر أثناء القنوت "يا رب شرُّنا إليك صاعد، وخيرك إلينا نازل، فلا تؤاخذنا"، فما حكم هذا القول؟ الثاني: ما هو حكم الصلاة إذا ذكر في الدعاء كلاما ليس منه؟

الجواب

الحمد لله.

لا حرج في الدعاء بغير المأثور، في الصلاة وخارجها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.

ويدل على ذلك: ما روى البخاري (835)، ومسلم (402) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: "كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو .

ولمسلم:  ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ - أَوْ مَا أَحَبَّ - .

وفي رواية له: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَعْدُ مِنَ الدُّعَاءِ.

ومنع بعض الفقهاء الدعاء في الصلاة بغير المأثور، وهو قول الحنفية، ومنع آخرون الدعاء بملاذ الدنيا، وهو قول الحنابلة.

والراجح جواز الأمرين.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وقوله: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو): يستدل به على أنه يجوز الدعاء في الصلاة بما لا يوافق لفظه لفظ القرآن، وعامةُ الأدعية المروية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته كذلك، وقد سبق في الباب الماضي بعض ذلك، وهذا قول جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة والثوري في قولهما: لا يدعو في صلاته إلا بما يوافق لفظَ القرآن، فإن خالف بطلت صلاته.

وحكى أصحاب سفيان الثوري مذهبه كذلك.

والصحيح المنصوص عن أحمد: أنه يجوز الدعاء بما يعود بمصلحة الدين بكل حالٍ، وهو قول جمهور العلماء.

وفي سنن أبي داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: (كيف تقول في الصلاة؟) قالَ: أتشهد، ثُمَّ أقول: اللهمّ إني أسألك الجنة، وأعوذُ بك من النار، أما إني لا أحسنُ دندنتك ولا دندنة معاذ، قالَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حولها ندندن).

وهذا يشعر بأنه يجوز الدعاء بمصالح الآخرة بأي لفظٍ كان.

واختلفوا: هل يجوز الدعاء في الصلاة بالمصالح الدنيوية خاصة؟

فقالت طائفة: يجوز، منهم: عروة ومالك والشافعي، وحُكي روايةً عن أحمد، واستدلوا بعموم حديث ابن مسعود.

وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وهو المشهور عن أحمد، واختاره أبو محمد الجويني من الشافعية. وإنما هذا فيما لم يرد النص بمثله، كالرزق والعافية والصحة، ونحو ذلك مما ورد الدعاء به في الأخبار في الصلاة وغيرها، فإنه يجوز الدعاء به في الصلاة، وإنما الممنوع طلبُ تفاصيل حوائج الدنيا؛ كالطعام الطيب والجارية الوضيئة والثوب الحسن، ونحو ذَلِكَ، فان هذا عندهم من جنس كلام الآدميين الذي قالَ فيهِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس).

ولا فرق في استحباب الدعاء بين الإمام والمأموم والمنفرد، عند جمهور العلماء" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (7/ 344).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث ابن مسعود:

" واستُدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة.

قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة، فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن.

كذا أطلق - هو ومن تبعه - عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن، أو ثبت في الحديث. وعبارة بعضهم: ما كان مأثورا. قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا، أو غير مرفوع.

لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكذا يرد على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة.

واستثنى بعض الشافعية ما يقبُح من أمر الدنيا. فإن أراد الفاحش من اللفظ، فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز.

وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها: ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال: كان عبد الله يعني ابن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة، ثم يقول: "إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني أسألك من الخير كله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، الآية". قال: ويقول: "لم يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء".

وهذا من المأثور غير مرفوع، وليس هو مما ورد في القرآن.

وقد استدل البيهقي بالحديث المتفق عليه: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، وبحديث أبي هريرة رفعه: "إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله" الحديث، وفي آخره: "ثم ليدع لنفسه بما بدا له" هكذا أخرجه البيهقي، وأصل الحديث في مسلم، وهذه الزيادة صحيحة؛ لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم" انتهى من "فتح الباري" لابن حجر (2/321).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كذلك في أثناء الصلاة في السجود دعاء، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم ... فاستغل هذه الفرصة وأكثر من الدعاء من خيري الدنيا والآخرة ، فلو قال أحدكم في دعائه : اللهم ارزقني سيارة جميلة ، فهذا يصلح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله ، ثم إن الدعاء عبادة فإذا دعوت الله بأي غرض، لو قال الطالب وهو في أيام الامتحان: اللهم ارزقني نجاحا إلى درجة الممتاز فهذا يصلح، لأنه دعاء لله تخاطب الله، والممنوع مخاطبة الآدميين، لكن مخاطبة الله بالدعاء ليست ممنوعة.

وهناك محل دعاء آخر في الصلاة بعد التشهد، كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: ثم ليتخير من المسألة ما شاء ، وكلمة ما شاء عند علماء الأصول تفيد العموم.

... فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ، يفيد أي دعاء .

وأما قول بعض الفقهاء: إنه لا يجوز للإنسان في دعائه شيء من ملاذ الدنيا: فإنه قول ضعيف يخالف الحديث" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/18).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء، سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية، بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم، والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11/ 172).

ومن ذلك يُعلم:

أنه لا حرج في الدعاء بغير المأثور في الصلاة، ولا في قول الإمام في دعاء القنوت: "يا رب شرُّنا إليك صاعد، وخيرك إلينا نازل، فلا تؤاخذنا"؛ لأنه من جملة الدعاء الجائز؛ والأحسن – على كل حال - أن يدعو بالدعاء المأثور، لا سيما المأثور في موضعه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب